النعمة عليه، أن يذكر الزوال والفناء والدول، كأنه واعظ وقاصٌّ, فلا يخفى ذلك على من يعنى به, ولا غيره, ولا ينزل قوله بمنزلة الموعظة والإبلاغ، ولكن بمنزلة الضجر من النعمة، إذا رآها لغيره، والاغتمام بها, والاستراحة إلى غير روح.
وإني مخبرك عن صاحب لي كان من أعظم الناس في عيني، وكان رأس ما أعظمه في عيني صغر الدنيا في عينه: كان خارجًا من سلطان بطنه، فلا يشتهى ما لا يجد، ولا يكثر إذا وجد.
وكان خارجا من سلطان فرجه، فلا يدعو إليه ريبة، ولا يستخف له رأيًا, ولا بدنًا, وكان خارجًا من سلطان لسانه، فلا يقول ما لا يعلم، ولا ينازع في ما يعلم, وكان خارجًا من سلطان الجهالة، فلا يقدم أبدًا إلا على ثقة بمنففة.
كان أكثر دهره صامتًا, فإذا نطق بَذَّ1 الناطقين.
كان يرى متضاعفًا مستضعفًا، فإذا جاء الجد فهو الليث عاديًا2.
كان لا يدخل في دعوى، ولا يشترك في مراء، ولا يدلي بحجة3 حتى يرى قاضيًا عدلًا, وشهودًا عدولًا.
وكان لا يلوم أحدًا على ما قد يكون العذر في مثله, حتى يعلم ما اعتذاره.