لم يحظ بعناية الباحثين العرب كما حظي أدبنا الجاهلي، مخالفًا بذلك الكثيرين، فقد بلغت الدراسات حوله ما بين رسالة جامعية وكتاب وبحث باللغات المختلفة، والعربية غالبة عليها، ما يقرب من ألف وأربعمائة دراسة، سنأتي على ذلك بالتفصيل في حينه.

ويتساءل المرء: ما سر هذا الاهتمام وبشكل خاصٍّ في الخمسة والعشرين سنة الأخيرة؟ لقد ذهب الباحثون في تعليل ذلك مذاهب شتى, فمنهم من زعم بأن الهدف إغناء معرفتنا ورفد تجربتنا بتجارب الأجداد1، وذهب آخر إلى أن الاهتمام بالأدب الجاهلي في العصر الحديث قد نشأ بحثًا عن الذات العربية.. فقد ارتبط حركة النهضة الحديثة ببداية الحماس للشعر القومي في مقاومة السيطرة التركية على العالم العربي، ثم ارتبط ذلك كله بعد ذلك بمحاولة إحياء القديم والاهتمام بالتراث الموروث، وتأكيد الذات العربية في مواجهة الاستعمار الغربي2, ويعلل باحث ثالث إعجابنا بالشعر القديم بأنه أشبه ما يكون بتطلعاتنا إليه على أنه الأنموذج الأمثل3, ويمثل هذا الشعر جذور العربي الممدودة في الأرض4.

ولو شئنا لملأنا صفحات تبيِّن مختلف الدوافع والأسباب, ولكنها جميعًا تكاد تجمع على أن الاهتمام بأدب ذلك العصر نابع من الحقائق التالية:

1- إن أدب ذلك العصر يمثّل فجر أدب أمتنا، فمَنْ يبحث فيه يبحث عن أصوله الفكرية والحضارية.

2- إن الأدب حينئذ كان يمثّل الأدب العربي النقيّ قبل أن يتأثّر بشكل واضح بآداب الأمم الآخرى التي دخلت الإسلام أو أثَّرت فيه.

3- إن أدب تلك الفترة فيه غناء لحلِّ رموز وألغازٍ ما زالت تبحث عن حلٍّ لندرة مصادر تلك الفترة، والأدب هو المصدر الذي بين أيدينا.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015