تقع جزيرة العرب في أقصى الجنوبي الغربي من قارة آسيا، وهي شبه جزيرة مستطيلة الشكل تحيط بها المياه من ثلاث جهات، وتتألّف بلاد العرب هذه من أقسام ثلاثة متيمزة: سلسلة جبال بركانية تحيط بها من الشرق والجنوب، وسهول ساحلية تقع بين سلاسل الجبال والبحر, تتسع وتضيق بحسب قرب الجبال من البحر، وهضبة داخلية تشمل الربع الخالي، والنفوذ الكبرى والدهناء وهضبة نجد.
وهكذا, فإن موطن العرب في جاهليتهم رقعة شاسعة من الأرض، ذات بقاع متباينة في التضاريس والمناخ، وتختلف بيئاتها اختلافًا كبيرًا يخلق منها بيئات متعددة متباينة، مما اضطر العربي إلى أن ينتقل من مكان إلى آخر بحثًا عن الكلأ والماء لاستمرار الحياة.
وكان العربي يعيش في خطر دائم، وفي أحضان طبيعة قاسية لا ترحم، تتهدده بكل مظاهرها، وأما الأخطار الخارجية فقد كان الأعداء يتربصون به، ولكن تلك الطبيعة القاسية على أهلها كانت خيرًا عليهم بمنعها العدو المتربص من التوغل في تلك الأصقاع، وقد حدثت محاولات باءت كلها بالفشل، ولكن هذا الفشل لم يمنع أولئك الأعداء من استخدام وسائلهم لإقامة مراكز لهم على الأطراف، أو في الداخل، وقد نجح بعضهم في احتلال أطراف منها, ولكن ذلك لم يدم طويلًا.
وفي ظل هذه البيئة آمن العربي بتقاليد وقيم ظلَّ معظمها تقليدًا متوارثًا يعتز به أو ببعضه إلى يومنا هذا، ومن هذه التقاليد ما كان صارمًا كقانون العصبية وقانون الثأر وقانون الجوار، ومن تلك القيم الكرم والشجاعة وإغاثة الملهوف وحماية الجار والوفاء بالعهد.