5- أيام العرب: والجدل الذي يثور حولها ليس حدوثها أو عدمه، بل طبيعتها وما حملته من قيم ومعتقدات، ونتائجها، وطبيعة شعرها هل ينتمي إلى الملاحم أم لا؟ وهل كانت شرًّا ووبالًا على المجتمع الجاهلي أم خيرًا؟ ولم تعمد الضمير العربي طمسها فضاع مصدرها الأساسي وهو كتاب أبي عبيدة؟ هل بسبب خوفهم من أن تثير العصبية القبلية؟ أم لما تحمله من فكر وثني؟ أم بسببهما معًا؟ واختلفوا كذلك في أسباب حدوثها وكثرتها، بل ذهب بعضهم إلى أنها لا تعني حربًا فحسب، بل تعني مأثرة أو غير ذلك1, ولا أرى بأسًا من إيراد بعض آراء الباحثين فيها.
فالدكتور أحمد كمال زكي يراها تراثًا نبع من الضمير الجاهلي في شتَّى تكويناته الاجتماعية، وامتلأ بالمحتوى الفكري الذي يتشكّل تشكلًا قوميًّا لم تشاركه فيه الأمم المجاورة, مع تسليمه بوجود تأثيرات متبادلة بينهما. وهي تتضمن خلاصة الثقافة العربية الأولى ممتزجة بالأساطير والقصص والخرافي، وكان المحدثون منذ العصر الأموي قد دأبوا على طمسها؛ لأن فيها إيقاظًا للشعر الجاهلي الذي أساسه العصبية2.
ويرى الدكتور البهبيتي رأيًا مغايرًا للرأي السابق فهو يقول: "إنهم لم يذكروا من شعرهم إلّا ذلك الشعر الذي قاله شعراؤهم في عهدٍ لا يزيد على القرنين قبل الإسلام، بل إنهم لم يستبقوا من ذلك كله إلّا ما قيل من هذا الشعر، وكان متصلًا بتلك الحروب الأهلية، وبحركات تحرير الجزيرة"3.
والأيام في رأي الدكتور عادل البياتي ليست وثيقة تاريخية، وإنما عالم ينبض بالأساطير التي تصور حياة الأمة العربية في شبه الجزيرة العربية4.
ويرى الدكتور الطاهر مكي أن "الأيام موغلة في القدم، ولعلها أقدم مما تشير إليه كتب التاريخ، وإن الشعر والقصص لم يكونا بمعزل أحدهما عن الآخر"5.