وإن بينهم النصر على من حارب أهل هذه الصحيفة» (?) . ويتضح من النص أن كل فئة تدبر أمورها الخاصة في النفقة، أما في حالة الدفاع عن المدينة فلابد أن تشترك كل فئة بنصيبها من النفقة، وهذا واضح من قوله «وأن اليهود ينفقون مع المؤمنين ما داموا محاربين» (?) ، وينتظر أن تكون هذه المواد قد جعلت أهل يثرب واحدة واحدة في حالة الحرب، وأن المجتمع الجديد يحتاج إلى مثل هذه الواحدة للدفاع عن كيانه في ظل الأخطار المحيطة به.
ويبدو لنا من خلال استقراء حوادث السيرة أن اليهود لم يشتركوا في الدفاع عن المدينة لا سيما في الحروب الدفاعية كأحد والخندق وما ورد من إشارات في ذلك تفتقر إلى الصحة، فرواية الزهري (ت 124 هـ) : «كان اليهود يغزون مع رسول الله فيسهم لهم» (?) . هي من مراسيل الزهري والعلماء لا يحتجون بهذه المراسيل (?) .
أما الحديث الاخر فهو «أن النبي استعان بيهود قينقاع» الذي ورد عن طريق الحسن ابن عمارة (ت 124 هـ) وأخرجه البيهقي (ت 458 هـ) فقال عنه: متروك (?) وهناك مجموعة أخرى من الأحاديث لم تثبت صحتها.
وكذلك؛ فإن اليهود من الناحية العلمية لم يشتركوا في الدفاع عن المدينة وهناك أحاديث تمنع اليهود من ذلك فقد ذكر الحاكم (ت 405 هـ) : أن النبي صلّى الله عليه وسلم خرج حتى إذا بلغ خلف ثنية الوداع إذا كتيبة، فقال: «من هؤلاء؟» قالوا: بنو قينقاع- وهم رهط عبد الله بن سلام- قال: «وأسلموا» قالوا: لا، بل هم على دينهم، قال: «قولوا لهم فيرجعوا فإنّا لا نستعين بالمشركين» (?) .
ويظهر من بقية المواد التي تخص اليهود أن النبي صلّى الله عليه وسلم ترك لهم حرية المعتقد فلا يكره أحد على دين من الأديان، وكان ذلك يعني قمة التسامح الديني الذي أقره الإسلام ودعا إليه. وطبقه المسلمون في أول دستور أعلنه الإسلام في المدينة المنورة «لليهود دينهم وللمسلمين دينهم مواليهم وأنفسهم» (?) أما الجرائم الفردية فلا يؤخذ بها إلا صاحبها دون أن يتعدى ذلك إلى الجماعة كلها «إلا من ظلم وأثم فإنه لا