للدولة الجديدة؛ ولذا منعت الصحيفة أهلها- ولا سيما المشركين واليهود- أن يجيروا أحدا من أهل مكة، وبذلك استطاع النبي صلّى الله عليه وسلم أن يضبط أمور غير المسلمين في المدينة «لا يجير مشرك مالا لقريش ونفسا، ولا يحول دونه على مؤمن» (?) وينتظر أن يكون المشركون قد أثاروا موضوع إجارة المؤمنين- كما في مادة سابقة- ولكن الوضع هنا يختلف تماما، فمكة في حالة حرب وعداء مع المسلمين، والسماح لهؤلاء بإجارتهم يعني إحداث شرخ كبير في أمن المدينة ودفاعاتها.

وحددت الصحيفة بعض ملامح النظام القضائي الجديد في المدينة، وجاءت المواد الخاصة بالقضاء كإطار قضائي للمواد الاخرى، ومن خلالها حددت العقوبات على الجنايات المختلفة فنصت الصحيفة «وأنه من اعتبط مؤمنا قتلا عن بينة فإنه قود به إلّا أن يرضى ولي المقتول، وأن المؤمنين عليه كافة لا يحل لهم إلا قيام عليه» (?) فالقاتل يقتل إلّا أن يعفو وليه، وعلى الأمة جميعا أن تمكن السلطة والقضاء من أخذ الحق من القاتل، وهذا التأكيد كان ضروريّا في مجتمع قبلي يقف مع ابن القبيلة ظالما كان أو مظلوما، ويلاحظ أن الربط الدائم بين الإيمان وبين تطبيق هذه المواد فقال: «وأنه لا يحل لمؤمن أقر بما في هذه الصحيفة وامن بالله واليوم الاخر أن ينصر مشركا أو يؤويه، وأن من نصره أو اواه فإن عليه لعنة الله وغضبه يوم القيامة ولا يؤخذ منه صرف ولا عدل» (?) .

ويفهم من مواد الصحيفة أن السلطات الإدارية والقضائية والعسكرية جعلت بيد حاكم المدينة الرسول صلّى الله عليه وسلم، فهو المرجع الأعلى في كل خلاف سواء كان بين المؤمنين أنفسهم أو بينهم وبين جيرانهم، فهو عليه السّلام يشرف على جميع الميادين التطبيقية لجميع ما قررته الصحيفة (?) «وأنكم مهما اختلفتم فيه من شيء فإن مردّه إلى الله عزّ وجلّ» (?) .

أما القسم الاخر من الصحيفة فينظم العلاقات بين المؤمنين وبين اليهود القاطنين في المدينة وأطرافها، فقد ألزمت هذه الصحيفة اليهود بدفع قسط من نفقات الحرب الدفاعية عن المدينة (?) وذلك في مادتين من مواد الصحيفة «وإن اليهود ينفقون مع المؤمنين ما داموا محاربين» (?) والاخرى «وإن على اليهود نفقتهم وعلى المسلمين نفقتهم

طور بواسطة نورين ميديا © 2015