الله» ، فقال رجل من أقصى القوم، إن عليّا قضى بيننا بقضاء اليمن فقال: «وما هو؟» فقصوا عليه القصة، فأجازه رسول الله صلّى الله عليه وسلم وجعل الدية على القبائل الذين ازدحموا (?) .
ويفيد هذا النص أن الإسلام قرر في نظمه القضائية جواز استئناف القضايا المحكوم فيها وتميّزها لدى جهة قضائية أخرى.
ويلاحظ من خلال روايات المصادر أنه لم يكن هناك مكان خاص (محكمة) يجلس فيه القاضي للقضاء، فقد قضى النبي صلّى الله عليه وسلم في بيته كما يذكر أبو داود (ت 275 هـ) عن أم سلمة قولها: «اختصم إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلم رجلان من الأنصار في مواريث متقادمة فقضى بينهما في بيتي» (?) وعنها كذلك: أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم سمع جلبة خصم بباب حجرته، فخرج إليهم، فقال: «إنما أنا بشر وإنكم تختصمون لدي ... » (?) وهذا يبين أن النبي صلّى الله عليه وسلم قضى بين الخصمين أمام حجرة زوجه أم سلمة رضي الله عنها.
وكان «المسجد» مكانا اخر للقضاء، فقد روى البخاري (ت 256 هـ) قول سهل أخي بني ساعدة أن رجلا وجد مع امرأته رجلا أيقتله؟ فتلاعنا في المسجد وأنا شاهد (?) ، فقضى النبي صلّى الله عليه وسلم في المسجد أن يتلاعنا حتى إذا أتى على حد أمر بأن يخرج من المسجد، فيقام عليه الحد؛ إذ إن المسجد يجب أن ينزه عن أن تقام فيه الحدود نظرا لقدسيته، يتضح هذا من خلال قصة الرجل الذي اعترف على نفسه بالزنا أمام النبي صلّى الله عليه وسلم في المسجد فسأله: «أبك جنون؟» قال: لا، فقال النبي صلّى الله عليه وسلم: «اذهبوا به فارجموه» (?) وذكر ابن قدامة (620 هـ) ما يؤيد أن النبي صلّى الله عليه وسلم كان يجلس في المسجد للقضاء، فقال: «وكان النبي صلّى الله عليه وسلم يجلس في مسجده مع حاجة الناس إليه للحكومة والفتيا وغير ذلك» (?) .
وقضى النبي صلّى الله عليه وسلم في «الطريق» ، فقد أخرج البخاري (ت 256 هـ) في صحيحه بابا سماه «باب القضاء والفتيا في الطريق» (?) .