وهكذا يتبين من خلال الواقع العملي الذي كان عليه قضاء رسول الله صلّى الله عليه وسلم أنه لم يكن هناك مجلس خاص للقضاء، وأن المحاكمة كانت علنية في المسجد أو البيت أو الطريق (?) ، ولم تكن الأمور معقدة حتى تحتاج إلى وجود موظفين وكتبة يقومون بالكتابة والتدوين وحفظ السجلات والملفات، إلا ما ورد من إشارات عند الجهشياري (ت 331 هـ) أن عبد الله بن الأرقم، والعلاء بن عقبة كانا يكتبان بين القوم في قبائلهم ومياههم، وفي دور الأنصار بين الرجال والنساء (?) ، ولكن لم تأخذ هذه الكتابة شكلا منظما كما حدث في فترة تالية بعد وضع الدواوين وتنظيمها.
أما تنفيذ الأحكام فكان يقوم به الخصوم أنفسهم، فلا يوجد هناك جهاز يقوم على متابعة الأمور والأحكام لتنفيذها إلا في القضايا التي تحتاج إلى تنفيذ عقوبات أو حدود. فكان النبي صلّى الله عليه وسلم يعهد بتنفيذها إلى من يندبه لذلك (?) ، يتضح ذلك من خلال قصة الرجل الذي اعترف على نفسه بالزنا، فقال الرسول صلّى الله عليه وسلم للحاضرين:
«اذهبوا به فارجموه (?) » ، وكما في قصة العسيف (الأجير) الذي زنى بامرأة الرجل الذي كان يعمل عنده فقال النبي صلّى الله عليه وسلم: «يا أنيس اغد على امرأة هذا فسلها؛ فإن اعترفت فارجمها» (?) ، قال هشام بن عمار (ت 153 هـ) : فغدا عليها فاعترفت فرجمها (?) ، ولم يكن أنيس الأسلمي جنديّا مخصصا لهذا العمل، وإنما هو رجل من الصحابة حضر هذا القضاء وكان كفؤا للتنفيذ فندب لذلك (?) .
وقام قيس بن سعد بن عبادة (ت 60 هـ) بتنفيذ مجموعة من الحدود بين يدي الرسول صلّى الله عليه وسلم مما جعل بعض المصادر تطلق عليه لقب «صاحب الشرطة» فقال البخاري (ت 256 هـ) : «وكان قيس بن سعد بين يدي النبي صلّى الله عليه وسلم بمنزلة صاحب الشرطة من