البخاري (ت 256 هـ) من قول عائشة (ت 58 هـ) : أن قريشا أهمتهم المرأة المخزومية التي سرقت فقالوا: من يكلم رسول الله صلّى الله عليه وسلم ومن يجترئ عليه إلا أسامة بن زيد، حبّ رسول الله صلّى الله عليه وسلم، فكلم أسامة رسول الله صلّى الله عليه وسلم فقال: «أتشفع في حدّ من حدود الله؟!» ثم قام فخطب فقال: «أيّها الناس، إنما أهلك من كان قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الغنيّ تركوه، وإذا سرق الضعيف منهم أقاموا عليه الحدّ، وايم الله، لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطع محمد يدها» (?) ، وترد إشارة تثبت استقلالية القضاء في حديث معاذ بن جبل (ت 19 هـ) عندما أرسله النبي صلّى الله عليه وسلم قاضيا إلى اليمن، فقال له: «بم تقضي إذا عرض لك القضاء؟» قال: بكتاب الله، قال: فإن لم تجد في كتاب الله؟
قال: فبسنة رسول الله صلّى الله عليه وسلم، قال: «فإن لم تجد في سنة رسول الله؟» قال: أجتهد رأيي ولا الو ... » (?) ويلاحظ أن قوله «لا الو» تفيد الاستقلالية وعدم الخضوع لأي نوع من أنواع الضغوط؛ مما جعل النبي صلّى الله عليه وسلم يؤيد هذا الفهم من معاذ بقوله: «الحمد لله الذي وفّق رسول رسول الله لما يرضي رسول الله صلّى الله عليه وسلم» (?) .
ومن الإجراات الإدارية التي أقرّها رسول الله صلّى الله عليه وسلم «مبدأ استئناف الحكم وتمييزه» يتضح ذلك من خلال مسألة الزبية التي قضى فيها علي بن أبى طالب باجتهاده، وأصل هذه المسألة أن قوما من أهل اليمن حفروا زبية للأسد فاجتمع الناس على رأسها، فسقط فيها واحد من المجتمعين فجذب ثانيا، وجذب الثاني ثالثا، والثالث رابعا فقتلهم الأسد، فاختلفت قبائلهم حتى كادت تقتتل، فرفع ذلك لعلي بن أبي طالب- وكان قاضيا باليمن- فقال لهم: إني قاض بينكم بقضاء فإن قبلتموه فهو نافذ، وإن لم تقبلوه فهو حاجز بينكم حتى تأتوا رسول الله صلّى الله عليه وسلم فهو أعلم مني بالقضاء، فأمر بهم أن يجمعوا من الذين شهدوا الحادثة دية كاملة ونصف دية، وثلث دية، وربع دية، فقضى للأسفل بربع الدية من أجل أنه هلك فوقه ثلاثة لجذبه لهم، وللذي يليه بثلث الدية، والذي يليه بنصف الدية من أجل أنه هلك فوقه واحد لجذبه، وللأعلى الذي لم يهلك فوقه أحد بالدية كاملة، فمنهم من رضي، ومنهم من كره، حتى وافوا رسول الله بموسم الحج، فلما قضى الصلاة جلس عند مقام إبراهيم فساروا إليه فقال: «إني أقضي بينكم إن شاء