حييّا يطوف في خربة هنا، فذهبوا فطافوا فوجدوا المسك في الخربة، فقتل النبي صلّى الله عليه وسلم ابن أبي الحقيق بالنكث الذي نكثوا (?) ، ويعلق ابن القيم (ت 751 هـ) على ذلك بقوله:
«فهاتان قرينتان في غاية القوة كثرة المال، وقصر المدة التي ينفقه كله فيها» (?) .
وتعدّ «القرعة» أيضا وسيلة من وسائل الإثبات، وقد استخدم النبي صلّى الله عليه وسلم القرعة في عدة مواضع منها: أنه أقرع بين الأعبد الستة الذين أعتقهم سيدهم ولم يكن له مال غيرهم، وأقرع بين رجلين لمّا تنازعا في دابة، وأقرع بين نسائه لما أراد السفر، وكذلك قصة الرجلين اللذين اختصما في مواريث لهما، لم يكن لهما بينة إلا دعواهما وفيها « ... فاقتسما وتوخّيا الحق ثم استهما ثم تحالّا» (?) ، وأخرج البخاري (ت 256 هـ) في صحيحه بابا سماه «باب القرعة في المشكلات» (?) أما ابن ماجه (ت 257 هـ) فأخرج بابا سماه «باب القرعة» (?) .
واستخدم النبي صلّى الله عليه وسلم «القافة» كوسيلة من وسائل الإثبات، وهي معرفة الشبيه بشبهه، ومعرفة أثر الأقدام وتمييزه، يتضح هذا مما ورد في قصة العرنيين أن النبي صلّى الله عليه وسلم بعث قافة فأتى بهم (?) ، واستعملت القافة في إثبات نسب أسامة بن زيد، إذ كان أسودا وأبوه أبيض فدخل مجزز- وكان قافيا- فرأى أسامة وزيدا ينامان في لحاف واحد وقد بدت أرجلهما، فقال: هذه الأقدام- يعنى أقدام أسامة- من هذه، فسرّ النبي صلّى الله عليه وسلم (?) ، وقد علق الشافعي (ت 204 هـ) على هذه الحادثة بقوله: «فيه دلالة أن النبي صلّى الله عليه وسلم رضيه وراه علما؛ لأنه لو كان مما لا يجوز أن يكون حكما ما سرّه ما سمع منه- إن شاء الله تعالى- ولا يسر إلا بالحق» (?) .
امتاز القضاء في زمن الرسول صلّى الله عليه وسلم «بالاستقلال» فهو لا يقع تحت أي تأثير من شخص أو سلطة أو عرف، واتضح ذلك من خلال قصة المرأة المخزومية التي رواها