الاخر، يتضح هذا من رواية الدارقطني (ت 385 هـ) قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «من ابتلي بالقضاء بين الناس فلا يرفعنّ صوته على أحد ما لا يرفع على الاخر» (?) وفي هذا أمر صريح بوجوب التسوية بين الخصوم في كل ما يمكن العدل فيه.
أما عن كيفية سير القاضي مع الخصوم، فينبغي أن يكون ابتداء نظر الخصومات بالترتيب، فيقدم خصومة من جاء أولا على من جاء بعدهن، ولا يقدم واحدا على من جاء قبله لفضل منزلة أو سلطان (?) ، ويتضح هذا من قول النبي صلّى الله عليه وسلم: «من سبق إلى ما لم يسبق إليه مسلم فهو له» (?) ، ثم عليه أن يسمع ما لدى الخصمين أو الخصوم قبل الفصل في القضية، وترد إشارة إلى ذلك في قول النبي صلّى الله عليه وسلم لعلي بن أبى طالب حين بعثه قاضيا إلى اليمن: «فإذا جلس بين يديك الخصمان فلا تقضين حتى تسمع كلام الاخر، فإنه أحرى أن يتبين لك وجه القضاء» (?) .
ولما كان القاضي يشكّل طرفا مهمّا في عملية التقاضي فلابد أن تكون هذه العملية في وقت صفاء نفسه وذهنه، ومن ذلك قول النبي صلّى الله عليه وسلم: «لا يقضي حاكم بين اثنين وهو غضبان» (?) ؛ وذلك لأن القاضي لا يستطيع تحري الحق حال الغضب، ومثل الغضب الجوع المفرط، والعطش الشديد، وغلبة النعاس (?) ، يتضح هذا من رواية أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «لا يقضي القاضي إلا وهو شبعان ريان» (?) وقد أكد الماوردي (ت 450 هـ) هذه المعاني بقوله: «ينبغي للقاضي أن يعتمد بنظره الوقت الذي فيه ساكن النفس، معتدل الأحوال ليقدر علي الاجتهاد في النوازل ... ولمّا نهى رسول الله صلّى الله عليه وسلم أن يصلي الرجل وهو يدافع الأخبثين، والصلاة لا تحتاج إلى الاجتهاد إلى ما يحتاج إليه الأحكام، فكان دفع الأخبثين في القضاء أولى» (?) .