وبعد سماع الدعوى وأقوال الخصمين من حجج وأجوبة فعلى القاضي أن يصدر حكمه على الفور وإيصال الحق إلى صاحبه، حيث كان النبي صلّى الله عليه وسلم يقضي بين الخصوم وفي مجلس المخاصمة الواحد، ولم يكن يرجئهم إلى وقت اخر كما قضى بين الزبير والأنصاري في ماء شراج الحرة التي اختصما فيها (?) ، ويذكر البخاري (ت 256 هـ) : «أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم بعث أبا موسى إلى اليمن قاضيا وأميرا ثم أتبعه معاذ بن جبل، فلما بلغ معاذ وجد رجلا موثقا عند أبي موسى فألقى أبو موسى لمعاذ وسادة وقال له: انزل، قال معاذ: ما هذا؟ قال: كان يهوديّا فأسلم ثم تهود، قال: اجلس، قال معاذ: لا أجلس حتى يقتل، قضاء الله تعالى، ثلاث مرات فأمر به أبو موسى فقتل» (?) .
لقد حرص القضاء الإسلامي على تحري العدل في كل أحكامه وإجرااته القضائية، ويتضح هذا ممّا ورد في الايات الكريمة: ... وَإِذا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ ... [النساء: 58] وقوله: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ ... [النحل: 90] ومن الأحاديث التي تؤكد هذا المعنى ما رواه البيهقي (ت 458 هـ) من قول النبي صلّى الله عليه وسلم:
«كيف يقدس الله أمة لا يؤخذ من شديدهم لضعيفهم» (?) ، وذكر النسائي (ت 303 هـ) قول ابن عمر (ت 73 هـ) أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال: «إن المقسطين على منابر من نور عن يمين الرحمن، وكلتا يديه يمين الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما ولوا» (?) ، ولم يكن ذلك مقصورا على المسلمين، بل تعداهم إلى الناس جميعا فقال الله تعالى:
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَداءَ بِالْقِسْطِ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوى [المائدة: 8] (?) ، ويطلب العدل أيضا في حالة الحكم على الأقرباء أو الأصدقاء، يقول الله تعالى: وَإِذا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كانَ ذا قُرْبى ...
[الأنعام: 152] (?) ، وحذّر النبي صلّى الله عليه وسلم من الجور في القضاء، ويتضح هذا مما