زمن الرسول صلّى الله عليه وسلم كانت أقرب ما تكون إلى الإفتاء، وقد جعل هذا المفهوم مجموعة من العلماء يؤلفون كتبا كبيرة في أقضية الرسول صلّى الله عليه وسلم (?) .
أما عن الإجراات القضائية المتبعة، فإن المعلومات المتوافرة في كتب الحديث الصحيحة عن قضاء النبي صلّى الله عليه وسلم توضح من شؤون القضاء وتنظيمه ما يجعل قواعده راسخة واضحة في بيان أصول المحاكمة، وما ينبغي للقاضي أن يسلكه في مجلس الحكم، وكيفية سير القاضي مع الخصوم.. إلى غير ذلك.
فقد بيّن النبي صلّى الله عليه وسلم «أصول المحاكمة» (?) وما ينبغي أن يكون عليه القاضي في لفظه ولحظه في أثناء سماع الدعوى، فذكر أبو داود (ت 275 هـ) قول عبد الله بن الزبير (ت 73 هـ) : «قضى رسول الله صلّى الله عليه وسلم أن الخصمين يقعدان بين يدي الحاكم» (?) .
فلابد من التسوية بين الخصمين في الجلوس، فلا يكون أحدهما أقرب إليه من الاخر ولا أرفع مجلسا منه، وأحسن الأوضاع في جلوس الخصمين أن يكون بين يدي القاضي لحديث النبي صلّى الله عليه وسلم، ثم إنه يتحقق بذلك الخضوع التام لحكم الشارع، والشعور بالصغار أمامه كما يحقق المساواة بينهما أيضا (?) .
وكذلك أكد النبي صلّى الله عليه وسلم على ضرورة العدل بين المتخاصمين في اللحظ واللفظ والإشارة، وفي ذلك نقل لنا الدارقطني (ت 385 هـ) قول أم سلمة (ت 62 هـ) أن النبي صلّى الله عليه وسلم قال: «من ابتلي بالقضاء بين المسلمين فليعدل في لحظه ولفظه وإشارته ومقعده (?) » وفي رواية «من ابتلي بالقضاء بين المسلمين فليعدل بينهم في المجلس والإشارة والنظر» (?) ونهى النبي صلّى الله عليه وسلم عن أن يرفع القاضي صوته على أحد الخصوم دون