مواطني المدينة حيث جاء فيها: «وأنه ما كان بين أهل هذه الصحيفة من حدث أو اشتجار يخاف فساده، فإن مرده إلى الله عزّ وجل وإلى محمد رسول الله صلّى الله عليه وسلم» (?) .
لقد كان النبي صلّى الله عليه وسلم المشرع والقاضي والمنفذ (?) ، وهو بذلك جمع بين سلطان التشريع، والتنفيذ، والقضاء، وكان تشريعه للأحكام بصفته رسولا بكونه حاكما عامّا، وانتهت هذه المهمة بوفاته، أما أداؤه لوظيفتي القضاء والتنفيذ فكان تكليفه بهما على سبيل العموم، إذا يقوم بهما الخلفاء من بعده كعمل تقتضيه مصلحة الجماعة (?) .
وتشعر روايات المصادر أن النبي صلّى الله عليه وسلم مارس الوظيفة القضائية بصفته حاكما لا بصفته نبيّا، فقد روى البخاري (ت 256 هـ) قول أم سلمة: قال النبي صلّى الله عليه وسلم: «إنما أنا بشر وإنكم تختصمون إليّ، ولعل بعضكم يكون ألحن بحجته من بعض فأقضي على نحو ما أسمع، فمن قضيت له بحق أخيه شيئا فلا يأخذه فإنما أقطع له قطعة من النار» (?) ، وفي رواية: «إني أقضي بينكما برأي فيما لم ينزل علي فيه» (?) فكان هذا القضاء مبنيّا على الظاهر من الحجج والبراهين دون معرفة السرائر؛ وذلك لأن النبي صلّى الله عليه وسلم لو قضى بين المتخاصمين بصفته نبيّا لعلم صاحب الحق من غيره، ولكنه قضى بصفته حاكما؛ لأن القضاء مرتبط بالحياة ومتغيراتها، ولا يتوافر لهذا رسل وأنبياء دائما.
لقد قام النبي صلّى الله عليه وسلم بمهمة القضاء على أنها وظيفة إدارية تتطلب أن يقوم بها بصفته حاكما للمسلمين أو يكلف من ينوب عنه في ذلك، وكانت وجهة أكثر المتخاصمين أن يعرفوا الحكم فينفّذوه (?) ، يروي البخاري (ت 256 هـ) : أن هند بنت عتبة قالت للنبي صلّى الله عليه وسلم: إن أبا سفيان رجل شحيح، فأحتاج أن اخذ من ماله، قال: «خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف» (?) ، ويلاحظ أن كثيرا من القضايا التي اعتبرت قضاء في