ونظرا لأهمية الراية فكانت تدفع إلى خيرة الناس عقيدة وتجربة، ففي إحدى الوقائع أخذ النبي صلّى الله عليه وسلم الراية فهزها ثم قال: «من يأخذها بحقها؟» فقال رجل: أنا، فقال:

«امض» ثم جاء رجل فقال: «امض..» (?) وفي هذا دلالة على دقة اختيار النبي صلّى الله عليه وسلم لحامل الراية، وتشير المصادر إلى أن النبي صلّى الله عليه وسلم قال يوم خيبر: «لأدفعن الراية غدا إلى رجل يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله» فدفعها إلى علي بن أبى طالب فانطلق بها (?) .

وفي مرحلة متأخرة كان النبي صلّى الله عليه وسلم إذا بعث قائدا يعقد له اللواء ويسلمه له بعد تسمية الله، ثم ينصح له فيركزه أمام المسجد أو أمام بيته ليجتمع عنده الخارجون للغزو بمتاعهم استعدادا للرحيل. ذكر ابن سعد (ت 230 هـ) أنه لما بعث أسامة إلى البلقاء استدعاه النبي صلّى الله عليه وسلم وعقد له اللواء رمزا للقيادة، فركزه بالجوف خارج المدينة وعسكر الناس حوله. فلما توفي الرسول صلّى الله عليه وسلم عاد أسامة باللواء وركزه أمام بيت النبي صلّى الله عليه وسلم، وظل هكذا حتى بويع لأبي بكر بالخلافة فأمر أن يركز اللواء أمام بيت أسامة ليمضي به (?) .

وكان النبي صلّى الله عليه وسلم يستعرض أصحابه قبل الخروج إلى المعركة، أو في أثناء السير إلى الجهة التي يقصدها فقد استعرض النبي جنده في بدر وأحد (?) فيرد صغار السن والضعاف. وقد رد النبي صلّى الله عليه وسلم يوم أحد زيد بن ثابت وعبد الله بن عمرو بن العاص وغيرهم (?) ، ويذكر ابن حجر (ت 852 هـ) في ترجمته لسمرة بن جندب قال: «إن النبي صلّى الله عليه وسلم كان يعرض غلمان الأنصار في كل عام قمرية، وعرض عليه سمرة بن جندب فرده، قال سمرة:

فقلت: يا رسول الله لقد أجزت غلاما ورددتني، ولو صارعني لصرعته، قال: فدونك فصارعه، قال: فصارعته فصرعته، فأجازني في البعث» (?) .

طور بواسطة نورين ميديا © 2015