وَقَالَ آخَرُ:
وَلَا تَسْمَحْ بِحَظِّك مِنْهُ بَلْ كُنْ ... بِحَظِّك مِنْ مَوَدَّتِهِ ضَنِينَا
قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَجْمَعُوا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى تَفَرَّدَ بِالْكَمَالِ وَلَمْ يَبْرَأْ أَحَدٌ مِنْ النُّقْصَانِ وَسَبَقَ فِي الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ فِيمَنْ يَجِبُ هَجْرُهُ هَلْ يَجُوزُ الْهَجْرُ بِخَبَرٍ وَاحِدٍ؟ وَقَوْلُ مُعَاذٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إذَا كَانَ لَك أَخٌ فِي اللَّهِ تَعَالَى فَلَا تُمَارِهِ: وَلَا تَسْمَعْ فِيهِ مِنْ أَحَدٍ فَرُبَّمَا قَالَ لَك مَا لَيْسَ فِيهِ فَحَالَ بَيْنَك وَبَيْنَهُ وَذَكَرَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي مَكَان آخَرَ أَنَّهُ قَالَ وَلَا تَسْأَلْ عَنْهُ أَحَدًا فَلَرُبَّمَا أَخْبَرَك بِمَا لَيْسَ فِيهِ فَحَالَ بَيْنَك وَبَيْنَهُ قَالَ بَعْضُهُمْ:
أَرَدْت لِكَيْمَا أَنْ تَرَى لِي زَلَّةً ... وَمَنْ ذَا الَّذِي يُعْطَى الْكَمَالَ فَيَكْمُلُ.
قَالَ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ لَقَدْ عَظُمَتْ مَنْزِلَةُ الصَّدِيقِ عِنْدَ أَهْلِ النَّارِ أَلَمْ تَسْمَعْ إلَى قَوْله تَعَالَى حَاكِيًا عَنْهُمْ: {فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ - وَلا صَدِيقٍ حَمِيمٍ} [الشعراء: 100 - 101] . وَقَالَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَا يَكُونُ الصَّدِيقُ صَدِيقًا حَتَّى يَحْفَظَ الصَّدِيقَ فِي غَيْبَتِهِ وَبَعْدَ وَفَاتِهِ وَكَانَ أَبُو الْعَبَّاسِ السَّفَّاحُ إذَا تَعَادَى اثْنَانِ مِنْ أَهْلِ بِطَانَتِهِ لَا يَسْمَعُ مِنْ أَحَدِهِمَا فِي صَاحِبِهِ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ عَدْلًا وَيَقُولُ الْعَدَاوَةُ تُزِيلُ الْعَدَالَةَ.
وَقَالَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - اُبْذُلْ لِصَدِيقِك كُلَّ الْمُرُوءَةِ وَلَا تَبْذُلْ لَهُ كُلَّ الطُّمَأْنِينَةِ وَأَعْطِهِ مِنْ نَفْسِك كُلَّ الْمُوَاسَاةِ وَلَا تُفْضِ إلَيْهِ بِكُلِّ الْأَسْرَارِ.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ مِنْ عَلَامَةِ الصَّدِيقِ أَنْ يَكُونَ لِصَدِيقِ صَدِيقِهِ صَدِيقًا وَلِعَدُوِّ صَدِيقِهِ عَدُوًّا، أَنْشَدَ بَعْضُهُمْ:
عَدُوُّ صَدِيقِي دَاخِلٌ فِي عَدَاوَتِي ... وَإِنِّي لِمَنْ وَدَّ الصَّدِيقَ وَدُودُ
فَلَا تَقْتَرِبْ مِنِّي وَأَنْتَ عَدُوُّ مَنْ ... أُصَادِقُهُ فَالْخَيْرُ مِنْك بَعِيدُ