فالمسائل المجمع عليها، ومسائل العقيدة، والمسائل التي تعتمد على سد الذرائع، أو التي هي في الأصل لدرء المفاسد. هذه ينبغي ألا نبحث فيها، فتلك ليست قضيتنا، وإلا إذا مَيّعنا جميع القضايا فلن تثبت قدم، بل ستزل الأقدام بعد ثبوتها، وتقع في دائرة الشك الذي لا نهاية له.
من هذه الثوابت تبجيل السلف وتقديمهم فلا نسمح بالطعن في أحدٍ منهم، نقول: أن الذين يسبون الصحابة ضُلال، كيف وقد نهانا رسول الله عن سب أصحابه فقال: " لا تسبوا أصحابي " (?) فنقول: إن علياً ومعاوية كانا من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولا يجوز إلا إحسان الظن بهما، وإن كنا نقدم علياً - رضي الله عنه - ونوقن بأنه أفضل من معاوية - رضي الله عنه -، ولكن هذا لا ينقص من فضل معاوية - رضي الله عنه -، ولا يجيز الطعن عليه.
نقول: إن الذين يتهمون أبا هريرة هم الكذابون الأفاكون، وإن الذين يتنكرون لسنة المصطفي - صلى الله عليه وسلم - من المبتدعة الضُّلال، وهم على شفا هلكة والعياذ بالله.
ثم علينا ثانياً: أن نكون منصفين فلا نجاوز الحد، فإذا أخطأ أحد الأفاضل في مسألة ما، وقد يكون مخالفاً لأحد هذه الثوابت المستقرة عندنا فنقول: فضله يغلب نقصه وزلَله، فمن الناس من لا ينبغي أن يذكر عيبه لما له من فضل، مثلاً فضيلة الشيخ ابن باز - رحمه الله - له فضل ومكانة عظيمة، وقد نفع الله المسلمين به طيلة عمره، وكان كالحصن الحصين على ثغرة من ثغرات الإسلام، لكن عندما جاءت مسألة الاستعانة بالكفار قلنا: أخطأ، ولكن للرجل تقديره وشأنه الذي لا ينبغي أن يتزعزع في صدور المسلمين، لما له من أيادٍ عظيمة .. وانتهت القضية.