ومنهم من يجعل استقبالها في الصلاة أولى من استقبال الكعبة ويقول: هذه قبلة الخاصة / والكعبة قبلة العامة. ومعلوم أن هذا من الكفر بالرسول وبما جاء به الرسول ومن الشرك برب العالمين، لا يفعل هذا من يعلم أن الرسول جاء بخلافه، وأن الرسول جاء بالحق الذي لا يسوغ خلافه. بل إنما يفعل هذا من كان جاهلاً بسنة الرسول أو من يجعل له طريقًا إلى الله غير متابعة الرسول، مثل من يجعل الرسول مبعوثًا إلى العامة، وأنه أو شيخه من الخاصة الذين لا يحتاجون إلى متابعة الرسول، أو أن لهم طريقًا أفضل من طريقة الرسول ونحو ذلك.
وهؤلاء كلهم كفار، وإن عظموا قبر الرسول كما يعظمون قبور شيوخهم.
ومنهم من يجعل قبر شيخه أعظم من قبر الرسول.
ومنهم من يجعل قبر الرسول أعظم ولكن يعظم أصحاب القبور من جهة أنه يعبدهم ليقربوه إلى الله زلفى، لا يعظم الرسول من جهة أنه رسول الله الذي أوجب على جميع الخلق اتباعه وطاعته وسلوك سبيله واتباع ما جاء به، وكما هذا نعت المؤمن به، والمؤمنون به لا يعرضون عن قصد السفر إلى مسجده مع علمهم أنهم يصلون إلى مسجده إلا بجهلهم بسنته. فإذا عرفوها دعاهم الإيمان به إلى متابعته صلى الله عليه وسلم تسليمًا.
والمجيب إنما ذكر النزاع في السفر لمجرد زيارة القبور، فلم يدخل في هذا السفر إلى مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم وهو المراد بالسفر لزيارة قبره، فهل يمكن هذا المعترض أن يحكي عن إمام من أئمة المسلمين أنه قال يستحب السفر لمجرد زيارة القبور، أو أنه يستحب السفر إلى زيارة قبره بدون الصلاة في مسجده أو بدون دخوله، هل قال هذا أحد؟ أو أنه يستحب السفر إلى القبر دون قصد المسجد؟