مع أنه إنما يصل إلى المسجد، والسفر إليه مستحب بالنص والإجماع، والصلاة فيه مفضلة، فهل قال مسلم إن هذا المستحب بالنص والإجماع مع فعل الإنسان له إذا لم يقصده البتة، وإنما قصد مجرد القبر يكون هذا السفر مستحبًّا بنص أو إجماع أو هل قال ذلك إمام من أئمة المسلمين المشهورين بالإمامة في الدين، وإن لم يكن هنا نص ولا إجماع؟ وهل يترك قصد السفر إلى مسجده للصلاة فيه -مع كونه يعلم أنه إنما يصل إلى مسجده- إلا من هو جاهل بدينه أو كافر بما جاء به؟ / فإن هذا ليس عليه في النية كلفة أصلاً، فإنه إذا كان لا بد له من الوصول إلى المسجد ومن الصلاة فيه لم يبق إلا أنه يقصد ذلك في ابتداء السفر.

فإذا لم يقصده فإنه يكون جاهلاً بأن ذلك مستحب مشروع كما يوجد عليه كثير من الجهال يظنون أن المشروع إنما هو السفر إلى القبر والسفر إلى المسجد تبع للقبر، فإذا عرف الجاهل بسنته المعلومة عند جميع علماء أمته ثم من بعد ذلك يشاق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين فإن الله يوليه ما تولى ويصليه جهنم وساءت مصيرًا.

فإذا لم يعرف أن إمامًا من أهل الاجتهاد قال إنه يستحب السفر إلى مجرد القبر دون المسجد وإن كان المسافر يعلم أنه إنما يصل إلى المسجد وأن سفره مشروع ثم لا يقصد ذلك فيكون سفره مشروعًا مستحبًّا، هذا مما يقطع بأنه لا يقوله عالم.

فإذا لم يثبت ذلك سلم الإجماع المذكور.

وإن قدر أن هذا قول ثالث كان ذلك قولاً خفيًّا قاله بعض المتأخرين لم يبلغ المجيب، والمجيب ذكر إجماع العلماء الذين عرفت أقوالهم في هذا الحديث وفي هذه المسألة، وهذا مبسوط في مكان آخر.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015