يصلى فيه الجمعة إلا مسجده، وهو أول مسجد أسس على التقوى، وأول مسجد أذن فيه وأقيمت فيه الصلاة.
فمن علم فضيلته وفضيلة الصلاة فيه وفضيلة السفر إليه وهو يريد السفر إلى القبر ويعلم أنه إنما يصل إلى مسجده فهذا لا بد -إن كان مؤمنًا بما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم- أن يقصد السفر إلى مسجده وإن قصد مع ذلك القبر.
لا يتصور من المؤمن به العالم بشريعته العالم أن المسافر إلى هناك يصل إلى مسجده لا يتصور -مع هذا العلم والمعرفة والإيمان- أن لا يقصد السفر إلى مسجده، بل لا يقصد إلا مجرد القبر. بل الذي يسافر ولا يقصد إلا مجرد القبر إما أن يكون جاهلاً بشريعته [وفضيلة مسجده] وفضيلة السفر إليه. أو جاهلاً بالحال لا يعلم أنه إنما يصل إلى مسجده، أو لا يعلم أن مسجده مؤسس على التقوى مقصود معظم قبل حصول القبر، وأنه لم يبن لأجل القبر، ولا حرمته وفضيلته وعظمته لأجله، فلا يتصور أن يقصد مجرد القبر إلا من يكون جاهلاً بهذا أو بهذا أو بهذا. وإن كان عالمًا بذلك كله، ومع هذا ليس قصده إلا السفر إلى القبر كما يسافر إلى قبر من يعظمه من الصالحين وغيرهم، والسفر إلى المسجد ليس له عنده حرمة ولا يعتقد فضيلته ولا يقصد السفر إليه مع علمه أن الرسول صلى الله عليه وسلم رغب في ذلك وبين فضل مسجده، فهذا لا يكون إلا كافرًا بالرسول. ومثل هذا يقع من المشركين الذين يرون قصد القبور المعظمة أولى من قصد المساجد، والحج إليها أفضل من الحج إلى مكة، ودعاء الخلق أفضل من دعاء الخالق، والدعاء عندها أفضل من الدعاء في المساجد والمشاعر.