وابن حزم ومن قال بإحدى روايتي داود يقولون إن قوله {ولا تقل لهما أف} [سورة الإسراء: (23)]، لا يدل على تحريم الشتم والضرب. وهذا قول ضعيف جدًّا في غاية الفساد عند عامة العلماء، فإنهم يقولون إذا كان البائل الذي يحتاج إلى البول قد نهي أن يبول فيه ثم يغتسل فيه فالذي بال في إناء ثم صبه فيه أولى بالنهي. كما أنه لما نهى عن الاستجمار بطعام الجن وطعام دوابهم -العظام والروث- كان ذلك تنبيهًا على النهي عن الاستجمار بطعام الإنس بطريق الأولى. وكل ما نهى عن الاستجمار به فتلطيخه بالعذرة أولى بالنهي، فإنه لا حاجة إلى ذلك.
فلهذا فهم الصحابة من نهيه أن يسافر إلى غير المساجد الثلاثة أن السفر إلى طور سيناء داخل في النهي وإن لم يكن مسجدًا كما جاء عن بصرة بن أبي بصرة وأبي سعيد وابن عمر وغيرهم.
والصحابة الذين سمعوا هذا الحديث من الرسول صلى الله عليه وسلم وغيرهم أدخلوا غير المساجد الثلاثة في النهي، ونهوا أن تشد الرحال إلى الطور الذي كلم الله عليه موسى، مع أن الله لم يعظم في القرآن جبلاً أعظم منه، وسماه الوادي المقدس والبقعة المباركة، فإذا كان مثل هذا الجبل لا تشد الرحال إليه فأن لا تشد الرحال إلى ما يعظم من الغيران والجبال مثل جبل لبنان وقاسيون ونحوهما بالشام، وجبل الفتح ونحوه بصعيد مصر، بطريق الأولى. بل إذا كان الصحابة لم يكونوا يسافرون إلى الطور ونحوه، بل ولا يزورون إذا قدموا مكة لا جبل حراء الذي