فهذان طريقان لا أعلم فيهما نزاعًا بين الأئمة الأربعة والجمهور، والأئمة الأربعة وسائر العلماء لا يوجبون الوفاء بالنذر على من نذر أن يسافر إلى أثر نبي من الأنبياء -قبورهم أو غير قبورهم- وما علمت أحدًا أوجبه إلا ابن حزم فإنه أوجب الوفاء على من نذر مشيًا أو ركوبًا أو نهوضًا إلى مكة أو إلى المدينة أو بيت المقدس. قال: وكذلك إلى أثر من آثار الأنبياء.
قال: فإن نذر مشيًا أو نهوضًا أو ركوبًا إلى مسجد من المساجد غير الثلاثة لم يلزمه. وهذا عكس قول الليث بن سعد فإنه قال: من نذر المشي إلى مسجد من المساجد مشى إلى ذلك المسجد. وابن حزم فهم من قوله (لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد) أي لا تشد إلى مسجد، وهو لا يقول بفحوى الخطاب وشبهه، فلا يجعل هذا نهيًا [عما هو] دون المساجد في الفضيلة بطريق الأولى، بل يقول في قول النبي صلى الله عليه وسلم (لا يبولن أحدكم في الماء الدائم ثم يغتسل منه): إنه لو بال ثم صب البول فيه / لم يكن منهيًّا عن الاغتسال فيه.
وداود الظاهري عنه في فحوى الخطاب روياتان وهذه إحداهما.