أهل العلم والدين ذكروا هذه الآثار عن الصحابة والتابعين وتابعيهم ليبينوا للناس كيف كان السلف يفعلون في مثل ذلك. وبسط هذا له موضع آخر.

والمقصود أن ما حكى القاضي عياض الإجماع فيه لم ينه عنه في الجواب، بل السفر إلى مسجده وزيارته -التي يسميها بعضهم زيارة، وبعضه يكره أن تسمى زياره- على الوجه المشروع سنة مجمع عليها كما ذكره القاضي عياض، ولا يدخل في ذلك السفر إلى غير المساجد الثلاثة كالسفر إلى قبور الأنبياء والصالحين، ولا من سافر لمجرد قبره فلم يزر زيارة شرعية بل بدعية، فهذا لا يقول أحد إنه مجمع على أنه سنة، ولكن / هذا الموضع مما يشكل على كثير من الناس. فينبغي لمن أراد أن يعرف دين الإسلام أن يتأمل النصوص النبوية، ويعرف ما كان يفعله الصحابة والتابعون، وما قاله أئمة المسلمين، ليعرف المجمع عليه من المتنازع فيه.

فإن في الزيارة مسائل متعددة تنازعوا فيها ولكن لم يتنازعوا في استحباب السفر إلى مسجده واستحباب الصلاة والسلام عليه فيه، ونحو ذلك مما شرعه الله في مسجده. ولم يتنازع الأئمة الأربعة والجمهور في أن السفر إلى غير الثلاثة ليس بمستحب لا لقبور الأنبياء والصالحين ولا لغير ذلك. فإن قول النبي صلى الله عليه وسلم (لا تشد الرحال) حديث متفق على صحته، وعلى العمل به عند الأئمة المشهورين، وعلى أن السفر إلى زيارة القبور داخل فيه، فإما أن يكون نهيًا، وإما أن يكون نفيًا للاستحباب. وقد جاء في الصحيح بصيغة النهي صريحًا فتعين أنه نهي.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015