كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً} 1 2.

"وسُئل ابن المبارك: مَنِ الناس؟ فقال: العلماء. قيل: فمن الملوك؟. قال: الزهّاد. قيل: فمَنِ السفلة. قال: الذين يأكلون الدنيا بالدين.

ولم يجعل غير العالِمِ من الناس؛ لأن الخاصية التي يتميّز بها الناس عن البهائم هي العلم، فالإنسان إنسان بما هو شريف لأجله، وليس ذلك بقوّة شخصه؛ فإن الجمل أقوى منه، ولا بِعِظَمِهِ؛ فإن الفيل أعظم منه، ولا بشجاعته؛ فإن السَّبُعَ أشجعُ منه، ولا بأكله؛ فإن الثور أوسع بطناً منه، ولا بباههِ؛ فإن أخس العصافير أقوى على السِّفاد منه، بل لم يُخْلَقْ إلا للعلم والتفكر" 3.

وقال القائل:

يا خادم الجسم كم تشقى بخدمته ... أتطلب الربح مما فيه خسران

أقبل على النفس واستكمل فضائلها ... فأنت بالروح لا بالجسم إنسانُ

وقال الآخر:

وكائِنْ تَرَى مِن صامتٍ لك معجِبٍ ... زيادتُه أو نقْصُه في التكلم

لسان الفتى نصف ونصف فؤاده ... فلم يبق إلا صورة اللحم والدم

والناس إنما يتفاوتون فيما بينهم بسِيرهم لا بصُوَرِهم، وخُلُقِهم لا بخَلْقهم وبنفوسهم وأرواحهم لا بأجسامهم، أمّا أجسامهم وخَلْقهم فهي هيئة واحدة، ومادتها مادة واحدة، وذلك على حدِّ قول من قال:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015