فأما كونها ضعيفة الدلالة، فلأمور أربعة هي: أنها عملية، متشابهة، مبيحة، على البراءة الأصلية.
الأول: أنها عملية، ليست بقولية، والمعلوم عن أهل الأصول والفقهاء والمحدثين، من حيث المبدأ والأصل: أن القول مقدم على الفعل، وأن ما كان أمرًا بالقول فهو مقصود لذاته؛ لأنه موضوع للدلالة على الأمر، بلا خلاف، وهو يدل على الوجوب بنفسه من غير واسطة.
فأما الفعل فإنه قد يكون مقصودًا، وقد لا يكون مقصودًا، وقد يكون عمدًا، وقد يكون سهوًا، كما تقدم في مثال استقبال القبلة في قضاء الحاجة، فلا يأخذ منه حكم ابتداءً، لكن القول يؤخذ منه. فقول النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - يتعدى إلى غيره بنفسه، بخلاف فعله، فلا يتعدى إلا بدليل.
فإذا اجتمعا كان التمسك بقوله، وحمل فعله على التخصيص ونحوه هو الواجب.
الثاني: أنها متشابهة.
أي محتملة لأكثر من معنى، والنصوص المتشابهة لا يؤخذ من معانيها إلا المعنى الموافق للمُحْكَم، ويُطرح ما عداه، لكن المبيحين أخذوا المعنى المعارض للمحكم، وطرحوا الموافق له، عكس سبيل المؤمنين العلماء الراسخين في العلم.
الثالث: أنها مبيحة.
تقابلها نصوص تقتضي الحظر، والحظر مقدم على الإباحة؛ لأن المحرمات يحتاط لإثباتها ما أمكن.
ولم يذهب أحد من العلماء إلى أن الاختلاط كان حرامًا في الجاهلية ثم نُسخ، ووقع الاتفاق على أنه كان حلالًا أو مباحًا غير محرم، فهذا يعضد الأحاديث بالتحريم؛ أي يدل على نسخ الإباحة.
الرابع: أنها على أصل البراءة.
والتحريم والحظر ناقل، والناقل عن الأصل مقدم؛ لأن فيه زيادة وهو الحكم بالتحريم، أما الأصل والبراءة فليس فيه حكم، بل مسكوت