والقصد: أنه ما من أمر سواءً كان إلهيًا، أو بشريًّا. وإلا ويعتريه استثناءات للحاجة والضرورة، وهناك من يخرقه ويخالفه قصدًا، ومن يخالفه سهوًا ونسيانًا.
فلو كانت هذه الأحوال المخالفة بعذر أو بدون عذر، سببًا كافيًا لإلغاء الأمر، لألغيت الأوامر كلها، وما ثبت أمر ألبتة.
وهكذا أحكام الشريعة، فيها أمر عام، يتأسس بالنصوص الصحيحة والصريحة في المعنى، كنصوص منع الاختلاط، ثم يطرأ عليها أحوال استثنائية، أو يوجد من يخالفها، لكنها لا ترقى أن تبطلها.
وقد جاء عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - نَهْيٌ عن استقبال القبلة أو استدبارها ببول أو غائط. ثم إن ابن عمر مرة ارتقى جدارا، فرأى النبي عليه السلام يقضي حاجته مستقبلا أو مستدبرا القبلة. فذهب العلماء إلى قولين في المسألة:
الأول: أن هذا الفعل تخصيص لعموم النهي. فإذا كان في فضاء منع، وإذا كان دون القبلة حاجز جاز.
الثاني: أن القول مقدم على الفعل؛ لأن القول مقصود لذاته، ونحن مأمورون بطاعة قوله، وأما الفعل فقد يكون سهوًا، وقد يكون عمدًا، فلما احتمل، وتعذر الترجيح، بقي النهي على عمومه.
وهكذا لم نجد بينهم من عارض وضرب قوله بفعله، فعطل الأمر بالفعل، فأجاز بين البنيان مطلقًا.
لكن الذين أباحوا الاختلاط خالفوا سبيل العلماء الراسخين، فضربوا قوله بفعله.
وهذا يتبين بما يلي:
إن نصوص المبيحين لاختلاط الرجال بالنساء ضعيفة في دلالتها، وهي كذلك في غير محل النزاع.