كل مادة مكانها، هنالك يكون مأوى وملاذًا، وعند عامة الناس علم عام بمواضع البناء، من دون إحكام، لا يحكمه إلا المهندس الخبير.
كذلك بناء الأحكام الشرعية لا يحكمه إلا العالم الراسخ.
والذين تكلموا في إباحة الاختلاط أبانوا عن جهل بطريق بناء الحكم، بظنهم أن مجرد وقوفهم على نص ظاهره أو حتى باطنه مبيح، يكفي في استخراج حكم بالجواز.
ولو صح ظنهم لكان لازمه الذي لا ينفك، إباحة الخمر حيث إن فيه نصوصًا ظاهرها وباطنها جواز شربه، كقصة حمزة عم النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - لما شرب الخمر وصار يقول للجمع، ومعهم رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «وَهَلْ أَنْتُمْ إِلاَّ عَبِيدٌ لأَبِي»، فَرَجَعَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - يُقَهْقِرُ حَتَّى خَرَجَ عَنْهُمْ، وَذَلِكَ قَبْلَ تَحْرِيمِ الْخَمْرِ» (رواه البخاري ومسلم).
ويلزم أيضًا إباحة أشياء أخرى فيها مثل ما في الخمر، ولذلك لا يصح ـ ديانة ـ لمن لم يعرف الطريق أن يتطفل عليه، حتى يتفقه ويعرف طرق التأويل والاستنباط والقياس، ويتعلم الأصول والقواعد الفقهية، ويحيط بالناسخ والمنسوخ وما كان أصلا أو استثناءً، وحال الضرورة والسعة، ومراتب الأوامر النبوية.
والاختلاط فيه نصوص متعارضة، وليس هو بدعة في هذا، بل لو نظرت في سائر الأحكام الشرعية لوجدت فيها من التعارض ما في الاختلاط بل أشد، فلو أعملت نصوص الإباحة، عطلت نصوص التحريم، ولو أعملت التحريم عطلت الإباحة؛ فكان لا بد من الجمع والدراسة. فكيف ذلك؟
بُنِي تحريم الاختلاط وتأسس وتأصل وفق أنواع منوعة من النصوص، وهي نصوص في غاية الرسوخ والثبوت والقوة، محكمة قطعية: قولية، وفعلية مؤيدة