ثُمَّ قَالُوا إِنَّ ابْنَ عَمِّكَ فِي بَلَوى ... أُمُورٍ أَتَى بَهَا الْحَدَثَانُ
فَتَئِطُّ الأَرْحَامُ وَالْوُدُّ وَالصُّحْبَةُ ... فِيمَا أَتَتْ بِهِ الأَزْمَانُ
أَوَ تَرَى إِنَّمَا الْكِتَابُ بَلاغٌ ... لَيْسَ فِيهِ لِبَيِّعٍ أَثْمَانُ
إِنَّمَا الرُّمْحُ فَاعْلَمَنَّ قَنَاة ... أَوْ كَبَعْضِ الْعِيدَانِ لَوْلا السِّنَانُ
لا يُهِينَنِّي عَلَيْكَ بِأَنِّي ضِمْنُ ... النَّسَاقِ قَدْ يَصِحُّ الضَّمَانُ
وَاعْلَمْ أَنِّي أَنَا أَخُوكَ وَأَنِّي ... لَيْسَ مِثْلِي أَزْرَى بِهِ الأَخَوَانُ
وَاعْلَمْ أَنِّي بَتَلْتُ مِنِّي يَمِينًا ... وَقَلِيلٌ فِي ذَلِكَ الأَيْمَانُ
لا تَرَى مَا حَيِيتُ مِنِّي كِتَابًا ... غَيْرَ هَذَا حَتَّى يَزُولَ أَبَانُ
أَوْ يَزُولَ الشَّنْطِيُّ مِنْ جَبَلِ الثَّلْجِ ... وَيَضْحَى صَحَارِيًا لُبْنَانُ
أَوْ تُرَى الْقُورُ مِنْ عَبَاثِرَ بِالشَّامِ ... وَيَضْحَى مَكَانَهَا حَوْرَانُ
أَوْ أَرَى فِي الْكِتَابِ مِنْكَ ثَلاثًا ... مُدْرِجَاتٍ لِشَدِّهِنَّ قِرَانُ
إِنَّمَا الْوُدُّ وَالنَّصِيحَةُ فِي الْقَلْبِ ... وِلَيْسَتْ بِمَا يَصُوغُ اللِّسَانُ
إِنَّ شَرَّ الصَّفَاءِ مَا زَوَّقَ الْحُبُّ ... فَيَبْدُو وَتَحْتَهُ الشَّنَآنُ
فَأَجَابَهُ النُّعْمَانُ بْنُ بَشِيرٍ:
لَيْسَ فَاعْلَمْ أَخُوكَ يَغْتَرُّ بِالنَّوْمِ ... وَلَكِنْ مُحَرِّشٌ يَقْظَانُ
إِنَّ جَدِّي الَّذِي انْتَمَيْتُ إِلَيْهِ ... كَانَ فِي النَّاسِ شَبَهُهُ الأَضْحَيَانُ
قَمَرُ الْبَدْرِ بَازِغًا إِذَا تَجَلَّى ... لَيْسَ مِنْ دُونِ مُجْتَلاهُ جِنَانُ
إِنَّ عَمَرًا وَعَامِرًا أَبَوَيْنَا ... وَرِثَ الْمَجْدُ عَنْهُمَا حَسَّانُ
شَيَّدَ الْمَجْدَ بِالْفِعَالِ فَأَضْحَى ... وَهُوَ مِنْ دُونِ مُرْتَقَاهُ الْعَنَانُ
إِنَّ وَصْفِي وَمَشْهَدِي وَمُقَامِي ... لَكَرِهْنٌ تَهَابُهُ الأَرْكِانُ
قَالَ: ثُمَّ دَخَلَ النُّعْمَانُ بْنُ بَشِيرٍ عَلَى مُعَاوِيَةَ، فَقَالَ: كَتَبْتَ إِلَى سَعِيدٍ أَنْ يَضْرِبَ ابْنَ الْحَكَمِ وَابْنَ حَسَّانٍ، فَلَمْ يَفْعَلْ، فَلَمَّا قَدِمَ أَخُوهُ ضَرَبَ ابن حَسَّانً، وَتَرَكَ أَخَاهُ.
قَالَ: فَمَا تُرِيدُ؟ قَالَ: أُرِيدُ أَنْ تَضْرِبَهُ كَمْا كَتَبْتَ، وَكَمْا كُنْتَ أَمَرْتَ، قَالَ: فَكَتَبَ إِلَى مَرْوَانَ بِعَزِيمَةٍ، وَسَرَّحَ فِي ذَلِكَ رَجُلا أَنْ يَضْرِبَ ابْنَ الْحَكَمِ مِائَةً، وَبَعَثَ إِلَى ابْنِ حَسَّانٍ بِحُلَّةٍ، قَالَ: فَلَمَّا قَدِمَ عَلَى مَرْوَانَ دَسَّ إِلَى ابْنِ حَسَّانٍ وَهُوَ فِي السِّجْنِ: إِنِّي مُخْرِجُكَ، وَإِنَّمَا أَنَا بِمَنْزِلَةِ وَالِدِكَ، وَإِنَّمَا كَانَ مَا كَانَ مِنِّي إِلَيْكَ أَدَبًا لَكَ وَاعْتَذَرَ إِلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ، فَقَالَ ابْنُ حَسَّانٍ: مَا بَدَا لِابْنِ الزَّرْقَاءِ فِي هَذَا؟ وَاللَّهِ مَا هَذَا إِلا لَشَيْءٍ قَدْ جَاءَهُ.
وَأَبَى أَنْ يَقْبَلَ مِنْهُ.
فَبَلَّغَ الرَّسُولُ مَرْوَانَ، فَبَعَثَ إِلَيْهِ بِالْحُلَّةِ، فَأَعَادَ إِلَيْهِ الرَّسُولُ، فَلَمْ يَقْبَلْ، وَطَرَحَ الْحُلَّةَ فِي الْحَشِّ، فَقِيلَ لَهُ: حُلَّةُ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ تَرْمِي بِهَا فِي الْحَشِّ؟ قَالَ: نَعَمْ، وَمَا أَصْنَعُ بِهَا؟ وَجَاءَهُ قَوْمُهُ فَأَخْبَرُوهُ الْخَبَرَ، فَقَالَ: قَدْ عَرَفْتُ أَنَّهُ لَمْ يِفْعَلْ مَا فَعَلَ إِلا لِأَمْرٍ قَدْ حَدَثَ.
فَقَالَ الرَّسُولُ لِمَرْوَانَ: مَا تَصْنَعُ بِهَذَا؟ قَدْ أَبَى أَنْ يَعْفُوَ، فَهَلُمَّ ابْنَ الْحَكَمِ، فَبَعَثَ مَرْوَانُ إِلَى الأَنْصَارِ، فَطَلَبَ إِلَيْهِمْ أَنْ يَطْلُبُوا إِلَيْهِ أَنْ يَضْرِبَهُ خَمْسِينَ.
فَأَجَابَهُمْ إِلَى ذَلِكَ، فَلَقِيَ ابْنَ حَسَّانٍ بَعْضُ مَنْ كَانَ لا يَهْوَى مَا نَزَلَ بِهِ مِنْ ذَلِكَ.
فَقَالَ لَهُ: ضَرَبَكَ مِائَةً وَتَضْرِبُهُ خَمْسِينَ.