نَقْضِي فَنَمْضِي مَا أَرَدْنَا فِيكُمُ ... فِعْلَ الْعَزِيزِ بِعَبْدِهِ الْمُسْتَعْبَدِ قَالَ: ثُمَّ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ فَجَعَلا يَتَقَارَضَانِ الشَّعْرَ، فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ فِي قَصِيدَةٍ:
وَمَثُلُ أُمِّ أَبِيكَ الْعَبدِ قَدْ ضُرِبَتْ ... عِنْدِي وَلِي بِثَقِيلِي مِزْهَرٌ جَرِمُ
وَأَنْتَ عِنْدَ ذَنَابِاهَا تُعَاوِنُهَا ... عَلَى الْقُدُورِ تَحَسَّى خَاثِرَ الْبَرَمُ
قَالَ هَاشِمُ، قَالَ: أَبُو الْمُقَوَّمِ: فَنَقَضَ عَلَيْهِ ابْنُ حَسَّانِ، فَقَالَ:
نَحَّاكُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِسْمِ وَحْدَكُمُ ... حَتَّى قَضَى قِسْمَةَ الْجِيرَانِ فِي الْكَرَمِ
حَتَّى إِذَا كَانَ قَسْمُ اللُّؤْمِ قَالَ لَكُمْ ... حُلُّوا إِلَى حَظِّكُمْ فِي غَابِرِ الأُمَمِ
يَا أَيُّهَا الرَّاكِبُ الْمُزجِي مَطِيَّتَهُ ... إِمَّا عَرَضْتَ فَسَائِلْ عَنْ بَنِي الْحَكَمِ
الْقَائِلِينَ إِذَا لاقَوْا عَدُوَّهُمُ ... خِرُّوا فَكِرُّوا عَلَى النِّسْوَانِ وَالنَّعَمِ
وَاللاصِقِينَ بِحَيٍّ غَيْرِ أَصْلِهِمُ ... كَالْخَالِطِينَ صُقُورَ الطَّيْرِ بِالرَّخَمِ
وَلا تَغُرَّنَّكَ أَبْرَادٌ وَأَقْمِصَةٌ ... فَإِنَّ أَرْبَابَهَا هُمْ رُضَّعُ الْغَنَمِ
كَمْ مِنْ أَمِينٍ نَصْيحِ الْجَيْبِ قَالَ لَكَمُ ... أَلا نَهَيْتُمْ أَخَاكُمْ يَا بَنِي الْحَكَمِ
عَنْ رَجُلٍ لا بَغِيضٍ فِي عَشِيرَتِهِ ... وَلا ذَلِيلٍ قَصِيرِ الْبَاعِ مُهتَضِمِ
فَإِنَّ أُمَّكُمُ كَانَتْ مُلَعَّنَةً ... تَمْرِي الْخَلايَا وَتَرْعَى عَازِبَ الْغَنَمِ
شَبَّتْ مُلَعَّنَةً بَظْرَاءَ مُؤْذِيَةً ... مِثْلَ الذُّبَابَةِ لَمْ تَنْكِحْ وَلَمْ تَئِمِ
وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ حَسَّانٍ:
أَلا أَبْلِغْ مُعَاوِيَةَ بْنَ حَرْبٍ ... فَقَدْ أَبْلَغْتُمُ الْحَنَقَ الصُّدُورَا
تَقُونَ بِنَا نُفُوسَكُمُ الْمَنَايَا ... عَسَتْ بِكُمُ الدَّوَائرُ أَنْ تَدُورَا
بِحَرْبٍ لا تَرَى الأُمَوِيَّ فِيهَا ... وَلا الثَّقَفِيَّ إِلا مُسْتَجِيرَا
فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: لَئِنِ اسْتَجَارَ الأُمَوِيُّ إِنَّهُ لأَسْوَأُ حَالا مِنْهُ.
وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ حَسَّانٍ:
صَارَ الْعَزِيزُ ذَلِيلا وَالذَّلِيلُ لَهُ ... عِزٌّ وَصَارَ فُرُوعُ النَّاسِ أَذْنَابَا
إِنِّي لِمُلْتَمِسٌ حَتَّى يُبَيَّنَ لِي ... فِيكُمْ مَتَى كُنْتُمُ لِلْنَاسِ أَرْبَابَا
فَارْقَوْا عَلَى ظَلْعِكُمْ ثُمَّ انْظُرُوا وَسَلُوا ... عَنَّا وَعَنْكُمْ قَدِيمَ الْعِلْمِ نَسَّابَا
فَسَوْفَ يَضْحَكُ أَوْ تَعْتَادُهُ ذِكَرٌ ... يَا بَؤْسَ لِلْدَهْرِ لِلْإِنْسَانِ رَيَّابَا
قَوْمٌ إِذَا رَاهَنُوا عَنْ مَجْدِهِمْ جَعَلُوا ... تَحْتَ الْعَجَاجَةِ لِلْمَسْبُوقِ جِلْبَابَا
شَبَابُكُمْ شَرُّ شُبَّانٍ عَلِمْتُهُمُ ... قِصَرًا وَطُولا وَأَعْرَاضًا وَأَحْسَابَا
وَشُمْطُكُمْ شَرُّ شُمْطِ الشِّيبِ مَخْبَرَةً ... وَشَرُّهُمْ فِي ثَنَا أَمْرٍ إِذَا غَابَا
يُوصِي أَوَائِلُهُمْ بِالنُّوكِ آخِرَهُمْ ... وَشَرُّ مَنْ ذَاقَ طَعْمَ النُّوكِ مَنْ شَابَا
إِنْ تَمْلِكُونَا قَلِيلا فِي إِمَارَتِكُمْ ... فَقَدْ مَلَكْتُمْ بَنِي الزَّرْقَاءِ أَحْقَابَا
قَوْمٌ يَرَوْنَ بَنِي الأَحْرَارِ نَافِلَةً ... كَانُوا لَهُمْ خَوَلا بُرْدًا وَأَسْلابَا
فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْحَكَمِ:
لَنْ يَسْلُبَ اللَّهُ أَهْلِ الدِّينِ دِينَهُمُ ... وَلَنْ تَعُودَ فُرُوعُ النَّاسِ أَذْنَابَا
مِنَّا الرَّسُولُ وَمِنَّا مَنْ يُلاذُ بِهِ ... وَلَنْ نَزَالَ لِهَذَا الدِّينِ أَرْبَابَا
فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ حَسَّانٍ:
وَأَمَّا قَوْلُكَ الْخُلَفَاءُ مِنَّا ... فَهُمْ مَنَعُوا وَرِيدَكَ مِنْ وِدَاجِ
وَلَوْلاهُمْ لَكُنْتَ كَعَظْمِ حُوتٍ ... هَوَتِ فِي مُظْلَمِ الْغَمَرَاتِ دَاجِ