حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عِمْرَانَ، قَالَ: اجْتَمَعَتِ الأَنْصَارُ فِي مَجْلِسٍ، فَتَذَاكَرُوا هِجَاءَ النَّجَاشِيِّ إِيَّاهُمْ، وَقَالُوا: مَنْ لَهُ؟ فَقَالَ لَهُمُ الْحَارِثُ بْنُ مُعَاذٍ: حَسَّانٌ، فَقَالُوا: وَاللَّهِ إِنَّ طَعَامَهُ لَيَغْلِبُهُ مِنْ ضَعْفِ حَنَكِهِ.
فَيَعَرِضِهُ لِلنَّجَاشِيِّ وَلَمْ يَبْلُغْهُ شَاعِرٌ.
فَقَالَ: وَاللَّهِ مَا أَنْزِعُ قَمِيصِي حَتَّى آتِيَهُ، فَتَوجَّهَ نَحْوَهُ، وَهُمْ مُعْظِمُونَ لِذَلِكَ، حَتَّى دَقَّ عَلَيْهِ البَّابَ.
فَقَالَ: مَنْ هَذَا؟ فَقَالَ: الْحَارِثُ بْنُ مُعَاذٍ.
قَالَ: افْتَحِي فُرَيْعَةُ لِسَيِّدِ شَبَابِ الأَنْصَارِ.
فَلَمَّا أَنْ دَخَلَ عَلَيْهِ شَقَّ قَمِيصَهُ وَأَخْبَرَهُ الْخَبَرَ.
فَقَالَ: أَيْنَ أَنْتُمْ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ؟ قَالَ: قَدْ قَاوَلَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ فَلَمْ يَصْنَعْ شَيْئًا، قَالَ: كُنْ وَرَاءَ الْبَابِ وَاحْفَظْ مَا أُلْقِي عَلَيْكَ.
فَقَامَ فَضَرَبَهُ البَّابُ فَشَجَّهُ، فَقَالَ: بِسْمِ اللَّهِ، اللَّهُمَّ احْفَظْ عَنِّي رَسُولَكَ.
فَعَرَفْتُ وَاللَّهِ الْغَلَبَةَ إِذْ قَالَهَا، ثُمَّ قَالَ:
أَبَنِي الْحِمَاسِ أَلَيْسَ فِيكُمْ سَيِّدٌ ... إِنَّ الْمُرُوءَةَ فِي الْحِمَاسِ قَلِيلُ
هَيَّجْتُمُ حَسَّانَ عِنْدَ ذَكَائِهِ ... عَيٌّ لِمَا وَلَدَ الْحِمَاسُ طَوِيلُ
إِنَّ الْهِجَاءَ إِلَيْكُمُ لَتَعِلَّةٌ ... فَتَحَشْحَشُوا إِنَّ الذَّلِيلَ ذَلِيلُ
يَا وَيْلَ أُمِّكُمُ وَوَيْلَ أَبِيكُمُ ... وَيْلٌ تَرَدَّدَ فِيكُمُ وَعَوِيلُ
لا تَجْزَعُوا أَنْ تُنْسَبُوا لِأَبِيكُمُ ... فَاللُّؤمُ يَبْقَى وَالْجِبَالُ تَزُولُ
فَبَنُو زِيادٍ لَمْ تَلِدْكَ نُحُولُهُمْ ... وَبَنُو صَلاءَةَ فَحْلُهُمْ مَشْغُولُ
وَسَرَى بِكُمْ تَيْسٌ أَجَمُّ مُجِذَّرٌ ... مَا لِلذَّمَامَةِ عَنْكُمُ تَحْويِلُ
فَاللُّؤمُ حَلَّ عَلَى الْحِمَاسِ فَمَا لَهُمْ ... كَهْلٌ يَسُودُ وَلا فَتًى بُهْلُولُ
وَقَالَ أَيْضًا يَهْجُوهُمْ:
أَمَّا الْحِمَاسُ فَإِنِّي غَيْرُ شَاتِمهِمْ ... لا هُمْ كِرَامٌ وَلا عِرْضِي لَهُمْ خَطَرُ
لا يَرْبُلُونَ وَلا يُلْفَى لَهُمْ شَبَهٌ ... إِلا التُّيُوسُ عَلَى أَكْتَافِهَا الشَّعَرُ
إِنْ سَابَقُوا سُبِقُوا أَوْ نَافَرُوا نُفِروا ... أَوْ كَاثَرُوا وَاحِدًا مِنْ غَيْرِهِمْ كُثِرُوا
شِبْهُ الزَّغَالِيلِ لا دِينٌ وَلا حَسَبٌ ... لَوْ قَامَرُوا الزِّنْجَ عَنْ أَحْسَابِهِمْ قُمِرُوا
وَقَالَ أَيْضًا يَهْجُوهُمْ:
يَا رَاكِبًا إِمَّا عَرَضْتَ فَبَلِّغَنْ ... عَبْدَ الْمَدَانِ وَجُلَّ آلِ قَنَانِ
فَلْتُعْرَفَنَّ قَلائِدِي بِرِقَابِكُمْ ... كَالْوَشْمِ لا يَبْلَى عَلَى الْحَدَثَانِ
فَلَأجْدَعَنَّ بَنِي رُهَيْمَةَ كُلَّهَا ... وَبَنِي الْحُصَيْنِ بِخِزْيَةٍ وَهَوَانِ
أَمَّا الْحِمَاسُ فَلا أَقُولُ لِثُلَّةٍ ... تَرْعَى الْبِقَاعَ خَبِيثَةَ الأَوْطَانِ
قَالَ: وَلَمَّا قَالَ حَسَّانُ قَصِيدَتَهُ الَّتِي يَقُولُ فِيهَا:
هَيَّجْتُمُ حَسَّانَ عِنْدَ ذَكَائِهِ ... غَيٌّ لِمَا وَلَدَ الْحِمَاسُ طَوِيلُ
قَالَ: اكْتُبُوهَا فِي رِقَاعٍ، وَأَلْقُوهَا فِي أَيْدِي الصِّبْيَانِ، فَفَعَلُوا، فَلَمْ يَمُرَّ بِنَا إِلا بِضْعٌ وَخَمْسُونَ لَيْلَةً حَتَّى طَرَقَتْ بَنُو عَبْدِ الْمَدَانِ بِالنَّجَاشِيِّ مَوْثَقًا مَعْهُمْ، فَأَرْغَوْا بِبَابِهِ، فَقَالَ لِابْنَتِهِ: يَا بُنيَّةُ، مَا هَذَا الَّذِي أَسْمَعُ؟ قَالَتْ: لا وَاللَّهِ مَا أَدْرِي.