وَالْمُلُوكُ: مُعَاوِيَةُ، وَعَبْدُ الْمَلِكِ، وَهِشَامٌ، وَأَنَا، وَلَنِعْمَ رَجُلُ الْحَرْبِ كَانَ حِمَارُ الْجَزِيرَةِ، مِنْ رَجُلٍ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ طَابَعُ الْخِلافَةِ
حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ أَبِيِ بَكْرٍ الْمُؤمَّلِيُّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِيِ عُبَيْدَةَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ، قَالَ: " صَارَ أَعْرَابِيٌّ مِنَ النَّمِرِ بْنِ قَاسِطٍ إِلَى مَسْلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ.
فَأَقَامَ بِبَابِهِ حِينًا لا يَصِلُ إِلَيْهِ، ثُمَّ دَخَلَ فِي الْعَامَّةِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، فَأَصَابَ مِنَ الطَّعَامِ مَعَ النَّاسِ، ثُمَّ قَامَ فَسَلَّمَ عَلَى مَسْلَمَةَ، فَرَدَّ مَسْلَمَةُ السَّلامَ.
فَقَالَ: يَا ابْنَ الْخَلِيفَةِ، زُرْتُكَ وَأَنْتَ غُرَّةُ مُضَرَ وَحُسَامُهَا، حِينَ تُذْكَرُ، لِأَنَّكَ تَعَطَّفَتْ عَلَيْكَ الأَمْلاكُ، فَلَيْسَ يَخَافُ ضَيفٌ لَدَيْكَ الْهَلاكَ، وَأَنْتَ فِي فَرْعٍ مِنَ الْفُرُوعِ نُضَارٌ وَرِثْتَهُ عَنِ الأَكَابِرِ الْكِبَارِ، وَمِنْ عَبْدِ الْمَلِكِ وَمَرْوَانَ، هُنَالِكَ الْفَضْلُ وَالْبَيَانُ، وَالْعِزُّ وَالسُّلْطَانُ سَادُوا النَّاسَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ قِدَمًا، وَفِي الْإِسْلامِ خَيْرًا وَكَرَمًا.
فَلَكَ كَفَّانِ، كَفٌّ تُمْطِرُ النَّدَى، وَالأُخْرَى سِمَامٌ يَقْتُلُ الْعِدَى، وَإِنَّكَ وَاللَّهِ لَتَقِيٌّ، وَمِنَ الأَدْنَاسِ نَقِيٌّ، وَإِنَّكَ لَمُهَذَّبٌ فِي الْكِرَامِ، فَلَيْسَ يَفُوقُكَ أَحَدٌ مِنَ الأَنَامِ، وَإِنَّكَ لَفِي بَحْرٍ مِنَ الْمَجْدِ، قَدْ رُزِقْتَ مِنَ الْحَمْدِ.
فَالنَّاسُ لَدَى بَابِكَ يَرْجُونَ نَدَى فَضْلِكَ، مِنْ عَوَائِدِ سِيَبِكَ، لَأَنَّكَ لِلْجُودِ حَلِيفٌ، وَلَأَنَّ الْجُودَ عَلَيْكَ يَطُوفُ.
تَرَاهُ عَلَيْكَ وَطَيْفَهُ، تَسْجِلُهَا مِنْ بُحُورٍ عَرِيضَةٍ.
فَقَالَ مَسْلَمَةُ: وَاللَّهِ يَا أَعْرَابِيُّ إِنَّكَ لَفَصِيحٌ.
قَالَ: أَجَلْ، وَأَنَا مَعَ ذَلِكَ صَرِيحٌ.
قَالَ: فَمَا تَكَادُ تَجِدُ أَعْرَابِيًّا عَاقِلا.
قَالَ: وَمَا يُذْهِبُ عَقْلَهُ لَوْ كَانَ كَامِلا؟ قَالَ: لأَنَّهُ قَلَّمَا يُخَالِطُ النَّاسَ.
قَالَ: فَذَاكَ أَكْيَدُ لَهُ عِنْدَ النَّاسِ.
قَالَ: وَأَنَّى لَهُ بِالْبَأْسِ، وَهُوَ لا يَرَى الْقِتَالَ؟ قَالَ: يَكُونُ غَمْرًا فَيَجْتَرِئُ عَلَى الأَبْطَالِ.
قَالَ: وَأَنَّى لَهُ الْجَرَاءَةُ وَلَمْ يَجْتَرِئْ؟ قَالَ: أَنْ يُصَمِّمَ الْحَمْلَةَ ثُمَّ يَصْبِرَ.
قَالَ: وَكَيْفَ يَصْبَرُ عَلَى الطِّعَانِ؟ قَالَ: تَرَاهُ فَرْضًا تَفْرِضُهُ الأَقْرَانُ.
قَالَ مَسْلَمَةُ: يَا عَجَبًا لِهَذا الأَعْرَابِيِّ.
قَالَ: وَمَا يُعْجِبُكَ مِنِّي يَا ابْنَ الْخَلِيفَةِ، وَمِنْ صَوَابِي؟ قَالَ مَسْلَمَةُ: وَمَا جَعَلَكَ بِالصَّوَابِ، أَوْلَى مِنْ غَيْرِكَ؟ قَالَ: إِنَّهَا سَجِيَّتِي، وَعَلَيْهِ رَكَّبْتُ طَبِيعَتِي، فَنَفِّسْ كُرْبَتِي، وَأَجْزِلْ عَطِيَّتِي، وَرُدَّنِي إِلَى بَلَدِي.
قَالَ: وَأَيْنَ تَسْكُنُ؟ قَالَ سَرَاةَ الطَّائِفِ.
قَالَ مَسْلَمَةُ: مَعَدِنُ الْعِنَبِ وَالزَّبِيبِ؟ ، قَالَ: نَعَمْ، لِسَانٌ بَدَويٌّ، وَبَلَدٌ عَلَوِيٌّ.
قَالَ فَاحْتَكِمْ.
قَالَ: أَحْتَكِمُ عَشْرَةَ جِلالٍ تَمْرًا وَعَشْرَةَ أَعْنِزٍ، وَقَطِيفَةً لِلْعِيَالِ، وَجَمَلا نَجْعَلُ عَلَيْهِ مَتَاعَنَا، وَثَلاثِينَ دِرْهَمًا.
فَأَمَرَ لَهُ بِمَا طَلَبَ