وَقَالَ جَرِيرٌ:
يَا عَيْنُ وَيْحَكِ هَيِّجِي أَحْزَانًا ... وَاسْتَعْجِلِي بِدِمُوعِكِ الأَزْمَانَا
قَالَتْ رَبِيعَةُ يَوْمَ كُفَّنَ مَالِكٌ ... لا فَجْعَ أَكْبرُ مِنْ أَبِي غَسَّانَا
كَانُوا إِذَا شَعِبُوا شَعِبْتَ عَلَيْهِمُ ... بَلْ كُنْتَ أَطْوَلَ فِي الْحُرُوبِ عِنَانَا
وَمَا كَانَ فِي عَبْدِ قَيْسٍ الْكُوفَةِ مثلُ الْمُنْذِرِ بْنِ الْجَارُودِ مِنْ عَبْدِ قَيْسِ الْبَصْرَةِ، الَّذِي يَقُولُ فِيهِ الشَّاعِرُ:
يَا حَكَمَ بْنِ الْمُنْذِرِ بْنِ الْجَارُودِ ... أَنْتَ الْجَوَادُ ابْنُ الْجَوَادِ الْمَحْمُودْ
سُرَادِقُ الْمَجْدِ عَلَيْكَ مَمْدُودْ قَالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَلِيٍّ: يَا أَبَا بَكْرٍ، أَنْتَ تَتَكَلَّمُ بِكَلامِ رَجُلٍ، كَأَنَّكَ لا تَعْرِفُ شَرَفَ أَهْلِ الْكُوفَةِ، قَالَ أَبُو بَكْرِ: وَاللَّهِ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ مَا أَعْرِفُ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ، ثُمَّ قَالَ: هَلْ تَعْرِفُونَ رَجُلا مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ مِثْلَ مَلِكِ هَذَيْنِ الْمِصْرَيْنِ؟ فَقَدْ مَلَكَهُمَا يَزِيدُ بْنُ الْمُهَلَّبِ، وَمَلَكَهُمَا رَجُلٌ مَوْلًى لِبَنِي سَعْدٍ، يُقَالُ لَهُ: صَالِحُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَاللَّهِ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، مَا قَطَعَ نَهْرَ بَلْخٍ رَجُلٌ أَوَّلُ مِنْ خَالِكَ رَبِيعِ بْنِ زِيَادِ مِنْ بَنِي الْحَارِثَ بْنِ كَعْبِ، ومَا سَارَ بِأَهْلِ الْكُوفَةِ وَالْبَصْرَةِ رَجُلٌ أَوَّلُ مِنْهُ.
فَقَالَ الْقَاضِي: حَدَّثَنَا أَشْيَاخٌ لَنَا مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ أَنَّ أَهْلَ الْبَصْرَةِ كَانُوا يَوْمَ الْجَمَلِ ثَلاثِينَ أَلْفًا، وَإِنَّمَا كَانَ أَهْلُ الْكُوفَةِ تَسْعَةُ آلافٍ.
فَقَالَ أَبُو بَكْرِ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، مَنْ أَيْنَ كُنَّا ثَلاثِينَ أَلْفًا، فَوَاللَّهِ لَرَبِيعَةُ الْبَصْرَةِ كَانَتْ مَعَ عَلَيٍّ تُقَاتِلُ عَنْهُ، وَتَدْعُو إِلَيْهِ وَعَلِيٌّ الَّذِي يَقُولُ:
يَا لَهْفَ نَفْسِي عَلَى رَبِيعَةْ ... رَبِيعَةَ السَّامِعَةَ الْمُطِيعَةْ
وَلَكِنْ سَلْهُمْ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، كَمْ كَانَتْ عِدَّتُهُمْ يَوْمَ دَخَلْنَا مَسْجِدَهُمْ بالْكُوفَةِ، فَذَبَحْنَا مِنْهُمْ ثَلاثِينَ أَلْفًا ذَبْحَ الْحِمْلانِ؟ فَأَرَادَ الْحَسَنُ بْنُ زَيْدٍ أَنْ يَكْسِرَ أَبَا بَكْرٍ، فَقَالَ: مَعَ مَنْ كُنْتُمْ يَوْمَئِذٍ؟ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: كُنَّا مَعَ مُصْعَبِ بْنِ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ.
قَالَ: فَمَنْ كُنْتُمْ تُقَاتِلُونَ؟ قَالَ: كُنَّا نُقَاتِلُ الْمُخْتَارَ بْنَ أَبِي عُبَيْدٍ الثَّقَفِيَّ وَرَفَعَ صَوْتَهُ.
فَقَالَ الْحَسَنُ: عَلَى مَا كُنْتُمْ يَا أَهْلَ الْبَصْرَةِ، عَلَى بَاطِلٍ أَمْ عَلَى حَقٍّ؟ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: كُنَّا عَلَى بَاطِلٍ، وَكُنْتُمْ عَلَى حَقٍّ، فَضَعُفْتُمْ عَنْ حَقِّكُمْ، وَغَلَبَ بَاطِلُنَا حَقَّكُمْ.