قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَحَمِدَ أَبِي اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ، يَا ابْنَ أَخْتِي، فَإِنْ كُنْتَ لا تَحْمَدُ عَلِيًّا لِنَفْسِكَ، فَإِنِّي لا أَحْمَدُكَ لِعَلِيٍّ، وَمَا عَلِيٌّ وَحْدَهُ قَالَ فِيكَ، بَلْ غَيْرُهُ، فَلَوْ أَنَّكَ اتَّهَمْتَ نَفْسَكَ لِلنَّاسِ، اتَّهَمَ النَّاسُ أَنْفُسَهُمْ لَكَ، وَلَوْ أَنَّكَ نَزَلْتَ مِمَّا رُقِيتَ وَارْتَقُوا مِمَّا نَزَلُوا، فَأَخَذْتَ مِنْهُمْ وَأَخَذُوا مِنْكَ مَا كَانَ بِذَلِكَ بَأْسٌ.

قَالَ عُثْمَانُ: فَذَلِكَ إِلَيْكَ يَا خَالُ، وَأَنْتَ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ.

قَالَ: أَفَأَذْكُرُ لَهُمْ ذَلِكَ عَنْكَ؟ قَالَ: نَعَمْ.

وَانْصَرَفَ.

فَمَا لَبِثْنَا أَنْ قِيلَ: هَذَا أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ رَجَعَ بِالْبَابِ، قَالَ أَبِي: ائْذَنُوا لَهُ، فَدَخَلَ، فَقَامَ قَائِمًا وَلَمْ يَجْلِسْ.

وَقَالَ: لا تَعْجَلْ يَا خَالِ حَتَّى أُوذِنَكَ، فَنَظَرْنَا، فَإِذَا مَرْوَانُ بْنُ الْحَكَمِ كَانَ جَالِسًا بِالْبَابِ يَنْتَظِرُهُ حَتَّى خَرَجَ، فَهُوَ الَّذِي ثَنَاهُ عَنْ رَأْيِهِ الأَوَّلِ.

فَأَقْبَلَ عَلَيَّ أَبِي، وَقَالَ: يَا بُنَيَّ، مَا إِلَى هَذَا مِنْ أَمْرِهِ شَيْءٌ، ثُمَّ قَالَ: يَا بُنَيَّ، أَمْلِكَ عَلَيْكَ لِسَانَكَ حَتَّى تَرَى مَا لا بُدَّ مِنْهُ، ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ اسْبِقْ بِي مَا لا خَيْرَ لِي فِي إِدْرَاكِهِ.

فَمَا مَرَّتْ جُمُعَةٌ حَتَّى مَاتَ رَحِمَهُ اللَّهُ " عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ السَّلامُ، قَالَ: " أَرْسَلَ إِلَيَّ عُثْمَانُ فِي الْهَاجِرَةِ، فَتَقَنَّعْتُ بِثَوْبِي وَأَتَيْتُهُ، فَدَخَلْتُ عَلَيْهِ وَهُوَ عَلَى سَرِيرِهِ، وَفِي يَدِهِ قَضِيبٌ، وَبَيْنَ يَدَيْهِ مَالٌ دَثْرٌ: صَبْرَتَانِ مِنْ وَرِقٍ وَذَهَبٍ، فَقَالَ: دُونَكَ خُذْ مِنْ هَذَا حَتَّى تَمْلأَ بَطْنَكَ فَقَدْ أَحْرَقْتَنِي.

فَقُلْتُ: وَصَلَتْكَ رَحِمٌ! إِنْ كَانَ هَذَا الْمَالُ وَرِثْتَهُ أَوْ أَعْطَاكَهُ مُعْطٍ، أَوِ اكْتَسَبْتَهُ مِنْ تِجَارَةٍ كُنْتُ أَحَدَ رَجُلَيْنِ: إِمَّا آخُذُ وَأَشْكُرُ، أَوْ أُوَفِّرُ وَأَجْهَدُ.

وَإِنْ كَانَ مِنْ مَالِ اللَّهِ وَفِيهِ حَقُّ الْمُسْلِمِينَ وَالْيَتِيمِ وَابْنِ السَّبِيلِ، فَوَاللَّهِ مَا لَكَ أَنْ تُعْطِيَنِيهِ، وَلا لِي أَنْ آخُذَهُ.

فَقَالَ: أَبَيْتَ وَاللَّهِ إِلا مَا أَبَيْتَ.

ثُمَّ قَامَ إِلَيَّ بَالْقَضِيبِ فَضَرَبَنِي، وَاللَّهِ مَا أَرُدُّ يَدَهُ حَتَّى قَضَى حَاجَتَهُ، فَتَقَنَّعْتُ بِثَوْبِي، وَرَجَعْتُ إِلَى مَنْزِلِي، وَقُلْتُ: اللَّهُ بَيْنِي وَبَيْنَكَ إِنْ كُنْتُ أَمَرْتُكَ بِمَعْرُوفٍ، أَوْ نَهَيْتُ عَنْ مُنْكَرٍ "

أتي عمر بجوهر كسرى، وضع في المسجد، فطلعت عليه الشمس فصار كالجمر، فقال لخازن بيت المال:

396 - عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: لَمَّا أُتِي عُمَرُ بَجَوْهَرِ كِسْرَى، وُضِعَ فِي الْمَسْجِدِ، فَطَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ فَصَارَ كَالْجَمْرِ، فَقَالَ لِخَازَنِ بَيْتِ الْمَالِ: «وَيْحَكَ! أَرِحْنِي مِنْ هَذَا، وَقَسِّمْهُ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ، فَإِنَّ نَفْسِي تُحَدِّثُنِي أَنَّهُ سَيَكُونُ فِي هَذَا بَلاءٌ وَفِتْنَةٌ بَيْنَ النَّاسِ» ، فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إِنْ قَسَّمْتَهُ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ لَمْ يَسَعَهُمْ، وَلَيْسَ أَحَدٌ يَشْتَرِيهِ لأَنَّ ثَمَنَهُ عَظِيمٌ، وَلَكِنْ نَدَعَهُ إِلَى قَابِلٍ، فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَفْتَحَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، فَيَشْتَرِيَهُ مِنْهُمْ مَنْ يَشْتَرِيهِ.

قَالَ: «ارْفَعْهُ فَأَدْخِلْهُ بَيْتَ الْمَالِ» ، وُقُتِلَ عُمَرُ وَهُوَ بِحَالِهِ، «فَأَخَذَهُ عُثْمَانُ لَمَّا وُلِّيَ الْخِلافَةَ فَحَلَّى بِهِ بَنَاتِهِ» .

طور بواسطة نورين ميديا © 2015