قَالَ: وَرُمِينَا بِعَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ، فَسَلَّمَ، فَرَدَدْتُ عَلَيْهِ سَلامَهُ، ثُمَّ قَالَ: مَنْ مَعَكَ؟ قُلْتُ: أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عُثْمَانُ، قَالَ: نَعَمْ، وَسَلَّمَ بِكُنْيَتِهِ، وَلَمْ يُسَلِّمْ عَلَيْهِ بِالْخِلافَةِ، فَرَدَّ عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ عَمَّارٌ: مَا الَّذِي كُنْتُمْ فِيهِ، فَقَدْ سَمِعْتُ ذَرْوًا مِنْهُ؟ قُلْتُ: هُوَ مَا سَمِعْتَ.
فَقَالَ عَمَّارٌ: رُبَّ مَظْلُومٍ غَافِلٌ، وَظَالِمٍ مُتَجَاهِلٌ.
قَالَ عُثْمَانُ: أَمَا إِنَّكَ مِنْ شُنَّائِنَا وَأَتْبَاعِهِمْ، وايْمُ اللَّهِ، إِنَّ الْيَدَ عَلَيْكَ لَمُنْبَسِطَةٌ، وَإِنَّ السَّبِيلَ إِلَيْكَ لَسَهْلَةٌ، وَلَوْلا إِيثَارُ الْعَافِيَةِ، وَلَمُّ الشَّعَثِ لَزَجَرْتُكَ زَجْرَةً تَكْفِي مَا مَضَى وَتَمْنَعُ مَا بَقِيَ.
فَقَالَ عَمَّارٌ: وَاللَّهِ مَا أَعْتَذِرُ مِنْ حُبِّي عَلِيًّا، وَمَا الْيَدُ بِمُنْبَسِطَةٍ وَلا السَّبِيلُ بِسَهْلَةٍ، إِنِّي لازِمٌ حُجَّةً وَمُقِيمٌ عَلَى سُنَّةٍ.
وَأَمَّا إِيثَارُكَ الْعَافِيَةَ وَلَمُّ الشَّعَثِ، فَلازِمُ ذَلِكَ.
وَأَمَّا زَجْرِي فَأَمْسِكْ عَنْهُ، فَقَدْ كَفَاكَ مُعَلِّمِي تَعْلِيمِي.
فَقَالَ عُثْمَانُ: أَمَا وَاللَّهِ إِنَّكَ مَا عَلِمْتُ مِنْ أَعْوَانِ الشَّرِّ الْحَاضِّينَ عَلَيْهِ، الْخَذَلَةِ عِنْدَ الْخَيْرِ الْمُثَبِّطِينَ عَنْهُ.
فَقَالَ عَمَّارٌ: مَهْلا يَا عُثْمَانُ، فَقَدْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ، يَصِفُنِي بِغَيْرِ ذَلِكَ، قَالَ عُثْمَانُ: وَمَتَى؟ قَالَ: يَوْمَ دَخَلْتُ عَلَيْهِ مُنْصَرَفَهِ عَنِ الْجُمُعَةِ، وَلَيْسَ عِنْدَهُ غَيْرُكَ، وَقَدْ أَلْقَى ثِيَابَهُ، وَقَعَدَ فِي فُضُلِهِ، فَقَبَّلْتُ صَدْرَهُ وَنَحْرَهُ وَجَبْهَتَهُ، فَقَالَ: يَا عَمَّارُ، إِنَّكَ لَتُحِبُّنَا وَإِنَّا لَنُحِبُّكَ، وَإِنَّكَ لَمِنَ الأَعْوَانِ عَلَى الْخَيْرِ الْمُثَبِّطِينَ عَنِ الشَّرِّ، فَقَالَ عُثْمَانُ: أَجَلْ، وَلَكِنَّكَ غَيَّرْتَ وَبَدَّلْتَ.
قَالَ: فَرَفَعَ عَمَّارٌ يَدَهُ يَدْعُو، وَقَالَ: أَمِّنْ يَا ابْنَ عَبَّاسٍ.
اللَّهُمَّ مَنْ غَيَّرَ فَغَيِّرْ بِهِ.
ثَلاثَ مَرَّاتٍ.
قَالَ: وَدَخَلْنَا الْمَسْجِدَ، فَأَهْوَى عَمَّارٌ إِلَى مُصَلاهُ، وَمَضَيْتُ مَعَ عُثْمَانَ إِلَى الْقِبْلَةَ، فَدَخَلَ الْمِحْرَابَ، وَقَالَ: تَلَبَّثْ عَلَيَّ إِذَا انْصَرَفْنَا فَلَمَّا رَآنِي عَمَّارٌ وَحْدِي أَتَانِي، فَقَالَ: أَمَا رَأَيْتَ مَا بَلَغَ بِي آنِفًا! قُلْتُ: أَمَا وَاللَّهِ لَقَدْ أَصْعَبْتَ بِهِ وَأَصْعَبَ بِكَ، وَإِنَّ لَهُ لَسِنَّهُ وَفَضْلَهُ وَقَرَابَتَهُ.
قَالَ: إِنَّهُ لَهُ لِذَلِكَ، وَلَكِنْ لا حَقَّ لِمَنْ لا حَقَّ عَلَيْهِ.
وَانْصَرَفَ.
وَصَلَّى عُثْمَانُ، وَانْصَرَفْتُ مَعَهُ يَتَوَكَّأُ عَلَيَّ فَقَالَ: هَلْ سَمِعْتَ مَا قَالَ عَمَّارٌ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، فَسَرَّنِي ذَلِكَ وَسَاءَنِي، أَمَّا مَسَاءَتُهُ إِيَّايَ فَمَا بَلَغَ بِكَ، وَأَمَّا مَسَرَّتُهُ لِي فَحِلْمُكَ وَاحْتِمَالُكَ.
فَقَالَ: إِنَّ عَلِيًّا فَارَقَنِي مُنْذُ أَيَّامٍ عَلَى الْمُقَارَبَةِ، وَإِنَّ عَمَّارًا آتِيهِ فَقَائِلٌ لَهُ وَقَائِلٌ، فَابْدُرْهُ إِلَيْهِ فَإِنَّكَ أَوْثَقُ عِنْدَهُ مِنْهُ وَأَصْدَقُ قَوْلا، فَالْقِ الأَمْرَ إِلَيْهِ عَلَى وَجْهِهِ.
فَقُلْتُ: نَعَمْ.