إِلَيْكَ ابْنَ عَبْدِ اللَّهِ بِالْحَمْدِ أَرْقَلَتْ ... بِنَا الْبَيْدَ عِيسٌ كَالْقِسِيِّ سَوَاهِمُ
عَلَيْهَا كِرَامٌ مِنْ ذُؤَابَةِ عَامِرٍ ... أَضَرَّ بِهِمْ جَدْبُ السِّنِينَ الْعَوَارِمُ
يُرِدْنَ امْرَءًا يُعْطِي عَلَى الْحَمْدِ مَالَهُ ... وَهَانَتْ عَلَيْهِ فِي الثَّنَاءِ الدَّرَاهِمُ
فَإِنْ تُعْطِ مَا نَهْوَى فَهَذَا ثَنَاؤُنَا ... وَإِنْ تَكُنِ الأُخْرَى فَمَا لامَ لائِمُ
فَقَالَ لَهُ خَالِدٌ: يَا عَبْدَ اللَّهِ، مَا أَعَجَبَكَ وَشِعْرَكَ، جِئْتَ عَلَى أَتَانٍ هَزِيلٍ وَتَزْعُمُ أَنَّكَ جِئْتَ عَلَى عِيسٍ، وَقَدْ ذَكَرْتَ الرَّجُلَ فِي شِعْرِكَ بِخِلافِ مَا ذَكَرْتَهُ فِي كَلامِكَ.
قَالَ: يَا ابْنَ أَخِي، مَا تَجَشُّمُنَا مِنْ مَدْحِ اللَّئِيمِ كَانَ أشدَّ مِنَ الْكَذِبِ فِي شِعْرِنَا.
فَقَالَ لَهُ خَالِدٌ: أَتَعْرِفُ خَالِدًا؟ قَالَ: لا.
فَقَالَ خَالِدٌ: أَنَا خَالِدٌ وَأَنَا مُعْطِيكَ وَغَيْرُ مُكَافِيكَ.
فَقَالَ: يَا أُمَّ جَحْشٍ، اصْرِفِي وَجْهَ أَتَانِكِ، وَمَضَى.
فَقَالَ لَهُ خَالِدٌ: لا تَفْعَلْ، وَقُمْ فَإِنِّي مُحْسِنٌ إِلَيْكَ.
فَقَالَ: وَاللَّهِ لا رَزَأْتَ لأَمْرِي دِرْهَمًا أَسْمَعْتَهُ، وَضَرَبَ وَجْهَ أَتَانِهِ وَمَضَى.
فَقَالَ خَالِدٌ: بِمِثْلِ هَذَا الصَّبْرِ نَالَ هَذَا وَأَبُوهُ مِنَ الشَّرَفِ مَا نَالُوهُ
حَدَّثَنِي أَبُو الْحَسَنِ الْمَدَائِنِيُّ، عَنْ حَفْصٍ التَّمِيمِيِّ، عَنْ حَرْبِ بْنِ خَالِدِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ، قَالَ: انْصَرَفَ أَعْرَابِيٌّ عَنِ الْمَوْسِمِ مُتَوَجِّهًا إِلَى الْمَدِينَةِ، فَسَقَطَ بَعِيرُهُ فِي الطَّرِيقِ، فَأَقْبَلَ بِرَحْلِهِ يَحْمِلُهُ حَتَّى أَتَى بَابَ أَبَانِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ، وَهُوَ يَوْمَئِذٍ عَلَى الْمَدِينَةِ، فَسَأَلَهُ فَحَرَمَهُ، فَأَتَى عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جَعْفَرٍ، فَقَالَ لآذِنِهِ: إِنَّ مَعِي هَدِيَّةً فَأَعْلِمْهُ.
فَدَخَلَ إِلَى ابْنِ جَعْفَرٍ فَأَعْلَمَهُ، فَقَالَ قُلْ لَهُ: أَنْتَ تَحْمِلُ هَدِيَّتَكَ أَمْ يَحْمِلُهَا غَيْرُكَ؟ قَالَ: بَلْ أَحْمِلُهَا أَنَا، قَالَ: أَدْخِلْهُ، فَلَمَّا دَخَلَ، قَالَ: هَاتِ، فَأَنْشَدَهُ:
أَبُو جَعْفَرٍ مِنْ أَهْلِ بَيْتِ نُبُوَّةٍ ... صَلاتُهُمْ لِلْمُسْلِمِينَ طَهُورُ
أَبَا جَعْفَرٍ إِنَّ الْجِيَادَ تَوَاكَلَتْ ... فَأَدْرَكَهَا عِنْدَ الْحِضَارِ فُتُورُ
أَبَا جَعْفَرٍ يَا ابْنَ الشَّهِيدِ الَّذِي لَهُ ... جَنَاحَانِ فِي أَعَلَى الْجِنَانِ يَطِيرُ
أَبَا جَعْفَرٍ ضَنَّ الأَمِيرُ بِمَالِهِ ... وَأَنْتَ عَلَى مَا فِي يَدَيْكَ أَمِيرُ
أَبَا جَعْفَرٍ إِنَّ الْحَجِيجَ تَرَجَّلُوا ... وَلَيْسَ لِرَحْلِي فَاعْلَمَنَّ بَعِيرُ
فَقَالَ لَهُ: انْطَلِقْ إِلَى إِبِلِي فَاخْتَرْ أَفْضَلَ نَاقَةٍ فِيهَا أَوْ جَمَلٍ فَخُذْهُ.
فَمَضَى الأَعْرَابِيُّ إِلَى الإِبِلِ، وَكَانَ بِهَا بَصِيرًا، فَأَخَذَ نَاقَةً لابْنِ جَعْفَرٍ تَعْدِلُ رَحْلَهُ، فَأَبَى غُلامُ ابْنِ جَعْفَرٍ أَنْ يَدْفَعَهَا إِلَيْهِ، فَرَجَعَ الأَعْرَابِيُّ إِلَى ابْنِ جَعْفَرٍ فَأَعْلَمَهُ.
فَأَرْسَلَ مَعَهُ رَسُولا، وَقَالَ لَهُ: أَعْطِهِ الَّذِي طَلَبَ، وَالْعَبْدُ الَّذِي مَنَعَهُ فَأَعْطِهِ إِيَّاهُ أَيْضًا.