فَشَمِّرْ إِلَى الأَعْدَاءِ وَانْهَضْ بِقُوَّةٍ ... فَإِنَّكَ عِنْدَ الْبَأْسِ غَيْرُ ذَمِيمُ

وَثِقْ بِوَلِيِّ الْمُؤْمِنِينَ فَإِنَّمَا ... يُحَامِي عَلَى الأَحْسَابِ كُلُّ كَرِيمِ

وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الأَعْمَى فِي قَتْلِ مُصْعَبٍ لَمَّا بَلَغَهُ:

رَحِمَ اللَّهُ مُصْعَبًا إِنَّهُ مَاتَ ... كَرِيمًا وَعَاشَ فِينَا كَرِيمَا

طَلَبَ الْمُلْكَ ثُمَّ مَاتَ حِفَاظًا ... لَمْ يَعِشْ بَاخِلا وَلا مَذْمُومَا

لَيْتَ مَنْ عَاشَ بَعْدَهُ مِنْ بَنِي ... الْعَوَّامِ مَاتُوا وَعَاشَ فَيْنَا سَلِيمَا

لَنْ تَرَى مِثْلَهُ لَدَى الدَّهْرِ نِدًّا ... أَوْ تُزِيلُ الرِّيَاحُ ذَرْوًا يَسُومَا

كَمْ لَهُ مِنْ يَدٍ عَلَى النَّاسِ بَيْضَاءَ ... قَدْ أَحْيَا بِهَا عِظَامًا رَمِيمَا

وَيَدٍ غَادَرَتْ حَرِيبًا سَلِيبًا ... ذَا غِنَاءٍ فَعَادَ وَغْدًا لَئِيمَا

وَكَانَ أَبُو الْعَبَّاسِ يَهْجُو آلَ الزُّبَيْرِ غَيْرَ مُصْعَبٍ، فَإِنَّهُ كَانَ يَمْدَحُهُ، وَيَمْدَحُ بَنِي أُمَيَّةَ، فَدَخَلَ عَلَى عَبْدِ الْمَلِكِ بَعْدَ قَتْلِ مُصْعَبٍ، فَسَأَلَهُ عَنْ قَوْلِهِ فِيهِ.

فَقَالَ: اعْفِنِي.

قَالَ: هَاتِ فَلَسْنَا نَتَّهِمُكَ، فَأَنْشَدَهُ هَذِهِ الأَبْيَاتَ، فَقَالَ لَهُ: صَدَقْتَ، هُوَ كَمَا وَصَفْتَ:

وَلَكِنَّهُ رَامَ الَّتِي لا يَنَالُهَا ... مِنَ النَّاسِ إِلا كُلُّ خِرْقٍ مُعَمَّمِ

أَرَادَ أُمُورًا لَمْ يُرِدْهَا إِلَهُهُ ... فَخَرَّ صَرِيعًا لِلْيَدَيْنِ وَلِلْفَمِ

وَقَالَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى يَرْثِي مُصْعَبًا:

لَعَمْرُكَ إِنَّ الْمَوْتَ مِنَّا لَمُولَعٌ ... بِكُلِّ فَتًى رَحْبِ الذِّرَاعِ أَرِيبِ

فَإِنْ يَكُ أَمْسَى مُصْعَبٌ نَالَ حَتْفَه ... لَقَدْ كَانَ صُلْبَ الْعُودِ غَيْرَ هَيُوبِ

جَمِيلَ الْمُحَيا يَرْهَبُ الْقِرْنُ دَرْأَهُ ... وَإِنْ عَضَّهُ دَهْرٌ فَغَيْرُ قَطُوبِ

أَتَاهُ حِمَامُ الْمَوْتِ وَسْطَ جُنُودِهِ ... فَطَارُوا سَلالا وَاسْتَقَى بِذَنُوبِ

وَلَوْ صَبَرُوا نَالُوا الْحَيَاةَ وَسُؤْدُدًا ... وَلَكِنَّهُمْ طَارُوا بِغَيْرِ قُلُوبِ

وَقَالَ الْبَعِيثُ بْنُ مُرَّةَ بْنِ وُدِّ بْنِ زَيْدِ بْنِ مُرَّةِ بْنِ سَعْدِ بْنِ رِفَاعَةَ بْنِ غَنْمِ بْنِ حَبِيبِ بْنِ كَعْبِ بْنِ يَشْكُرَ:

نَحْنُ قَتَلْنَا ابْنَ الْحَوارِيِّ مُصْعَبًا ... أَخَا أَسَدٍ وَالْمَذْحِجِيَّ الْيَمَانِيَا

وَأَلْوَتْ عُقَابُ الْمَوْتِ مِنَّا بِمُسْلِمٍ ... فَأَهْوَتْ لَهُ ظُفْرًا فَأَصْبَحَ ثَاوِيَا

سَقَيْنَا ابْنَ سَيْدَانٍ بِكَأْسٍ رَوِيَّةٍ ... كَفَتْنَا وَخَيْرُ الأَمْرِ مَا كَانَ كَافِيَا

وَمَرَّتْ عَلَى الْجَبَّارِ مِنَّا سَحَابَةٌ ... سَقَتْهُ ذُعَافِيًّا مِنَ الْمَوْتِ قَاضِيَا

طَوَاغِيتُ هُمْ كَانُوا الصَّنَادِيدَ إِذَا بدَتْ ... نَوَاجِدُ حَرْبٍ تُمْطِرُ الْمَوْتَ صَافِيَا

وَقَالَ أَيْضًا:

سَقَيْنَا بَنِي الْعَوَّامِ كَأْسًا مَرِيرَةً ... مُسَكِّرَةً أَمْسَتْ عَلَيْهِمْ أَمَرَّتِ

لِمَا اكْتَسَبَتْ أَيْدِيهُمُ وَصُدُورُهُمْ ... مَرَيْنا لَهُمْ حَرْبًا عَوَانَا فَدَرَّتِ

إِذَا مَا رَجَوْا أَنْ تَخْمَدَ الْحَرْبُ عَنْهُمْ ... شَبَبْنَا لَهُمْ نِيرَانَهَا فَاسْتَعَرَّتِ

بِفِتْيَانِ حَرْبٍ لَقَّحُوهَا فَأَصْبَحَتْ ... أَصَابَتْ بَنِي الْعَوَّامِ حَتَّى أَضَرَّتِ

أَقَمْنَا لَهُمْ سُوقًا بِهَا قَدْ تَسُوءُهُمْ ... وَقَدْ نَبَحَتْ مِنَهَا قُرَيْشٌ وَهَرَّتِ

وَقَدْ كَانَ الْمُصَعَبُ لَمَّا قَدِمَ الْكُوفَةَ سَأَلَ عُرْوَةَ بْنَ الْمُغِيرَةَ بْنِ شُعْبَةَ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلَيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَقتْلِهِ، فَجَعَلَ يُحَدِّثُهُ عَنْ ذَلِكَ.

فَقَالَ مُصْعَبٌ مُتَمَثِّلا بِبَيْتٍ قَالَهُ سُلَيْمَانُ بْنُ قُتَّهْ:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015