حَدَّثَنِي الْمَدَائِنِيُّ، قَالَ: قَالَ سَلْمُ بْنُ زِيَادٍ لِطَلَحَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَلَفٍ الْخُزَاعِيِّ: " أُرِيدُ أَنْ أَصِلَ رَجُلا لَهُ حَقٌ عَلَيَّ وَصُحْبَةٌ بِأَلْفِ أَلْفِ دِرْهَمٍ، فَمَا تَرَى؟ قَالَ: أَرَى أَنْ تَجْعَلَ هَذِهِ الْعَشَرَةَ، قَالَ: فَأصِلُهُ بِخَمْسِ مِائَةِ أَلْفٍ، قَالَ: كَثِيرٌ.
فَلَمْ يَزَلْ بِهِ حَتَّى وَقَفَ عَلَى مِائَةِ أَلْفٍ، قَالَ: أَفَتَرَى مِائَةَ أَلْفٍ يُقْضَى بِهَا ذِمَامُ رَجُلٍ لَهُ انْقِطَاعٌ وَصُحْبَةٌ وَمَودَّةٌ وَحَقٌ وَاجِبٌ؟ ، قَالَ: نَعَمٌ، قَالَ: هِيَ لَكَ وَمَا أَرَدْتُ غَيْرَكَ.
قَالَ: أَقِلَّنِي، قَالَ: لا أَفْعَلْ وَاللَّهِ
حَدَّثَنِي مُصْعَبُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ جَدِّي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُصْعَبٍ، قَالَ: " هَوَى مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى الْجَعْدِيُّ بَصِيصَ جَارِيَةِ نَفِيسٍ، صَاحِبِ قَصْرِ نَفِيسٍ بِالْمَدِينَةَ.
فَبَلَغَهُ عَنْهَا شَيْءٌ أَنْكَرَهُ، فَغَابَ عَنْهَا زَمَانًا، ثُمَّ أَتَاهَا، فَقَالَ لَهَا: تُغَنِّينَ:
وَكُنْتُ أُحِبُّكُمْ فَسَلَوْتُ عَنْكُمْ ... عَلَيْكُمْ فِي دِيَارِكُمُ السَّلامُ
فَقَالَتْ: نَعَمْ، وأُغَنِّي:
تَحَمَّلَ أَهْلُهَا عَنْهَا فَبَانُوا ... عَلَى آثَارِ مَنْ ذَهَبَ الْعَفَاءُ
قَالَ: فَازْدَادَ بِهَا شَغَفًا وَكَلَفًا، وَأَقَامَ مَلِيًّا يُدِيمُ النَّظَرَ إِلَيْهَا، ثُمَّ قَالَ: تُغَنِّينَ:
وَأَخْضَعُ لِلْعُتْبَى إِذَا كُنْتُ ظَالِمًا ... وَإِنْ ظُلِمْتُ كُنْتُ الَّذِي أَتَنَصَّلُ
قَالَتْ: نَعَمْ، وَأُغَنِّي:
فَإِنْ تُقْبِلُوا نُقْبِلْ عَلَيْكُمْ بِوُدِّنَا ... وَنُنْزِلُكُمْ مِنَّا بِرَحْبِ الْمَنَازِلِ
قَالَ: فَتَقَاطَعَا فِي بَيْتَيْنِ، وَتَوَاصَلا فِي بَيْتَيْنِ، وَلَمْ يَفْطِنْ مِنَ الْقَوْمِ غَيْرِي
حَدَّثَنِي أَبُو الْحَسَنِ الْمَدَائِنِيُّ، قَالَ: قَالَ بَسِيلُ التُّرْجُمَانُ: كُنْتُ مَعَ الرَّشِيدِ فِي بَلادِ الرُّومِ، فَلَمَّا افْتَتَحَ أَنْقَرَةَ فَإِذَا بِحَجَرٍ عَظِيمٍ مَنْصُوبٍ عَلَى بَابِ الْحِصْنِ فِيهِ كِتَابٌ بِالْيُونَانِيَّةِ، وَهِيَ الرُّومِيَّةُ الْقَدِيمَةُ، وَكَانَ ذَوُ الْقَرْنَيْنِ مِنْ وَلَدِ يُونَنَ بْنِ يُونَانَ، فَجَعَلْتُ أَقْرَأُهُ وَأَنْقُلُهُ إِلَى الْعَرَبِيَّةِ، وَالرَّشِيدُ يَنْظُرُ فَإِذَا فِيهِ: " بِسْمِ اللَّهِ الْمَلِكِ الْحَقِّ الْمُبِينِ، يَا ابْنَ آدَمَ غَافِصِ الْفُرْصَةَ عِنْدَ إِمْكَانِهَا، وَكِّلِ الأُمُورَ إِلَى وَالِيهَا، وَلا يَحْمِلَنَّكَ إِفْرَاطُ السُّرُورِ عَلَى مَأْتَمٍ، ولا تَحْمِلَنَّ عَلَى نَفْسِكَ هَمَّ يَوْمٍ لَمْ يَأْتِكْ، فَإِنَّهُ إِنْ يَكُنْ مِنْ أَجَلِكْ يَأْتِكَ اللَّهُ فِيهِ بِرِزْقِكَ، لا تَكُنْ أَسْوأَ الْمَغْرُورِينَ فِي جَمْعِ الْمَالِ، فَكَمْ رَأَيْنَا مِنْ جَامِعٍ جَمَعَ مَالا لِبَعْلِ حَلِيلَتِهِ عَلَى أَنَّ تَقْتِيرَ الْمَرْءِ عَلَى نَفْسِهِ تَوْفِيرٌ مِنْهَ عَلَى خِزَانَةِ غَيْرِهِ يَنْبَغِي لِحُكَمَاءِ الْيُوَنَانِ أَنْ يَنْظُرُوا فِي هَذَا الْكِتَابِ كُلَّ يَوْمٍ، قَالَ: فَنَظَرْتُ فَإِذَا تَأْرِيخَهُ أَكْثَرَ مِنْ أَلْفَيْ سَنْةٍ
حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: " كُنْتُ عِنْدَ الْمَأْمُونِ بِدِمَشْقَ، وَكَانَ قَدْ قَلَّ الْمَالُ عِنْدَهُ حَتَّى ضَاقَ، وَشَكَا ذَلِكَ إِلَى أَبِي إِسْحَاقَ الْمُعْتَصِمِ، فَقَالَ لَهُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، كَأَنَّكَ بِالْمَالِ وَقَدْ وَافَاكَ بَعْدَ جُمُعَةٍ، قَالَ: وَكَانَ قَدْ حَمَلَ إِلَيْهِ ثَلاثِينَ أَلْفَ دِرْهَمٍ مِنْ خَرَاجِ مَا كَانَ يَتَوَلاهُ أَبُو إِسْحَاقَ لَهُ.