فَسَوْفَ أَحْلِقُ رَأْسِي مِثْلَ حَلْقِهِمُ ... حَتَّى يَكِرُّوا وَرْأَسِي مَا لَهُ شَعَرُ
وَسَوْفَ أَرْكُضُ نِضْوِي مِثْلَ رَكْضِهِمُ ... حَتَّى يَكِرُّوا وَهُوَ مُسْتَنْقَصٌ دَبَرُ
كَانَتْ مَنَاسِكُهُمْ تَقْبِيلَهُمْ حَجَرًا ... وَمَنْ يُقَبِّلْكِ لا يَعْرِضْ لَهُ حَجَرُ
لَوْ كَانَ أَدْرَكَهَا عُثْمَانُ أَوْ عُمَرُ ... مَا حَجَّ غَيْرَكَ عُثْمَانٌ وَلا عُمَرُ
قَالَ: فَلَقِيَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مُوسَى بْنِ عِمْرَانَ الْبَكْرِيُّ، فَقَالَ: مَا حَمَلَكَ رَحِمَكَ اللَّهُ عَلَى أنْ أَخْرَجْتَ أَبَا بَكْرٍ مِمَّا أَدْخَلْتَ فِيهِ الشَّيْخَيْنِ؟ قَالَ: قُلْتُ: يَرْحَمُكَ اللَّهُ، إِنِّي لَمْ أُخْرِجْهُ مِمَّا يَتَنَافَسُ النَّاسُ فِيهِ
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عِمْرَانَ، قَالَ: " كُنْتُ مَعَ أَبِي بِالْيَمَامَةِ، وَقَدْ وَفَدَ عَلَى السَّرِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، فَأَنْشَدَنَا ابْنُ هَرْمَةَ:
هَجَوْتُ الأَدْعِيَاءَ فَنَاصَبَتْنِي ... مَعَاشِرُ خِلْتُهَا عَرَبًا صِحَاحَا
فَقُلْتُ لَهُمْ وَقَدْ نَبَحُوا جَمِيعًا ... عَلَيَّ فَلَمْ أَجِبْ لَهُمُ نُبَاحَا
أَأَنْتُمْ مِنْهُمُ فَأَصُدَّ عَنْكُمْ ... وَأَنْسِبَكُمْ لِنِسْبَتِهِمْ صُرَاحَا
وَإِلا فَاحْمَدُوا رَأْيِي فَإِنِّي ... أُزَحْزِحُ عَنْكُمُ الِابْنَ الْقُبَاحَا
وَحَسْبُكُ تُهْمَةً لِصَحِيحِ قَوْمٍ ... يَمَدُّ عَلَى أَخِي سَقَمٍ جَنَاحَا
حَدَّثَنِي هَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الزَّهْرِيُّ، عَنْ رَجُلٍ قَدْ أَسْمَاهُ نَسِيتُهُ كَانَ مَعَ السَّرِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: كَانَ السَّرِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، يَقُولُ: لَوَدِدْتُ أَنَّ ابْنَ هَرْمَةَ أَتَانِي، فَأَقُولَ لَهُ: لَوْ كَتَبْتَ إِلَيْهِ، فَيَقُولُ: أَكْرَهُ أَنْ يُكَلِّفَنِي مَا لا أَطِيقُ، فَكَتَبْتُ أَنَا إِلَى ابْنِ هَرْمَةَ، فَأَبَى أَنْ يَأْتِيَهُ إِلا أَنْ يَكْتُبَ إِلَيْهِ، ثُمَّ غُلِبَ صَبْرُهُ، فَشَخَصَ إِلَيْهِ، فَلَمَّا قَدِمَ دَخَلْتُ عَلَى السَّرِيِّ، فَأَخْبَرْتُهُ فَسُرَّ بِذَلِكَ، وَأَذِنَ لِلنَّاسِ فَدَخَلَ عَلَيْهِ ابْنُ هَرْمَةَ، وَكَانَ ذَمِيمًا، فَقَعَدَ وَقَعَدَ رَاوِيَتُهُ ابْنُ زَبَنَّجٍ، وكَانَ جَمِيلا وَسِيمًا.
فَقَالَ لَهُ ابْنُ هَرْمَةَ: إِنِّي قَدْ مَدَحْتُكَ أَصْلَحَكَ اللَّهُ.
فَأَنْشَدَ.
فَقَالَ: هَذَا ابْنُ زَبَنَّجٍ يُنْشِدُ.
فَأَنْشَدَ ابْنُ زَبَنَّجٍ، فَقَالَ لَهُ: مَرْحَبًا يَا أَبَا إِسْحَاقَ، مَا حَاجَتُكَ؟ قَالَ: جِئْتُكَ عَبْدًا مَمْلُوكًا.
قَالَ: بَلْ حُرٌّ كَرِيمٌ.
قَالَ: مَا تَرَكْتُ لِي مَالا إِلا رَهَنْتُهُ، وَلا صَدِيقًا إِلا كَلَّفْتُهُ.
قَالَ: حَتَّى كَانَ لِي رَيَّانُ وَغَالِبٌ، وَهُمَا مَالانِ عَظِيمَانِ، جَعَلَ السُّلْطَانُ غَلَّتَهُمَا لِصَدَقَاتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يُنْفَقُ عَلَيْهَا، فَمَا يَخْرُجُ يُطْعِمُهُ النَّاسَ.
قَالَ: وَكَمْ دَيْنُكَ؟ قَالَ: سَبْعُ مِائَةِ دِينَارٍ.
قَالَ: هُوَ عَلَيَّ.
قَالَ: فَمَكَثَ ابْنُ هَرْمَةَ أَيَّامًا، ثُمَّ قَالَ لِي: لَقَدْ غَرِضْتُ.
فَقُلْتُ: قُلْ شِعْرًا تَذْكُرْ فِيهِ غَرَضَكَ، وَأَنْشِدْهُ إِيَّاهُ، فَقَالَ:
إِنَّ الْحَمَامَةَ فِي نَخْلِ ابْنِ هَدَّاجِ ... هَاجَتْ فُؤَادَ سَقِيمِ الْقَلْبِ مُهْتَاجِ
أَمَا مُخَبِّرُ أَنَّ الْغَيْثَ قَدْ نَتَجَتْ ... مِنْهُ عِشَارٌ تَمَامًا غَيْرَ إِخْدَاجِ
شَقَّتْ سَوَائِفُهَا بِالْفَرْشِ مِنْ ملَلٍ ... إِلَى الأَعَارِفِ مِنْ حَزْنٍ وَأَوْلاجِ
وَقَالَ فِيهَا:
هَاجَ الْعَيِيُّ إِلَى شَوْقٍ فَهَيَّجَنِي ... فَعِجْتُ مِنْ قَلْبِ مَاضٍ غَيْرِ مُنْعَاجِ