لَمَّا نَزَلَ بِهِشَامِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ الْمَوْتُ نَظَرَ إِلَى وَلَدِهِ يَبْكُونَ حَوْلَهُ، فَقَالَ لَهُمْ: جَادَ لَكَمْ هِشَامٌ بِالدُّنْيَا، وَجُدْتُمْ لَهُ بِالْبُكَاءِ، وَتَرَكَ لَكُمْ مَا جَمَعَ، وَتَرَكْتُمْ عَلَيْهِ مَا اكْتَسَبَ، مَا أَعْظَمَ مُنْقَلَبَ هِشَامٍ إِنْ لَمْ يَغْفِرِ اللَّهُ لَهُ.
وَقَفَتْ عَائِشَةُ عَلَى قَبْرِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ فَتَمَثَّلَتْ:
«وَكُنَّا كَنَدْمَانَيْ جَذِيمَةَ حِقْبَةً ... مِنَ الدَّهْرِ حَتَّى قِيلَ لَنْ يَتَصَدَّعَا
فَلَمَّا تَفَرَّقْنَا كَأَنِّي وَمَالِكًا ... لِطُولِ اجْتَمَاعٍ لَمْ نَبِتْ لَيْلَةً مَعًا»
وَمَرَّ عَلَيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ بِقَبْرِ طَلْحَةَ، فَتَمَثَّلَ:
وَمَا تَدْرِي وَإِنْ أَزْمَعْتَ أَمْرًا ... بِأَيِّ الأَرْضِ يُدْرِكُكُ الْمَقِيلُ
وَتَمَثَّلَ:
فَتًى كَانَ يُدْنِيهِ الْغِنَى مِنْ صَدِيقِهِ ... إِذَا مَا هُوَ اسْتَغْنَى وَيُبْعِدُهُ الْفَقْرُ "
وَقَفَتِ امْرَأَةُ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ عَلَى قَبْرِهِ وَهِيَ أُمُّ كَثِيرٍ الْحَارِثِيَّةُ، فَقَالَتْ:
الْجَلُّ يَحْمِلُهُ النَّفَرْ ... قَرْمٌ كَرِيمُ الْمُعْتَصَرْ
أَبْكِي وَأَنْدُبُ صَاحِبًا ... لا عَيْنَ مِنْهُ وَلا أَثَرْ
قَدْ خِفْتُ بَعْدَكَ أَنْ أُضَامَ ... وَأَنْ أُسَاءَ وَلا أَسَرْ
أَوْ أَنْ أُسَامَ بِخِطَّتِي ... ضَيْمًا فَآخُذُ أَوْ أَذَرْ
لِلَّهِ دَرُّكَ قَدْ غَنِيتَ ... وَأَنْتَ بَاقِعَةُ الْبَشَرْ
وَوَقَفَ عَلَيْهِ مَصْقَلَةُ بْنُ هُبَيْرَةَ الشَّيْبَانِيُّ، فَقَالَ:
إِنَّ تَحْتَ الأَحْجَارِ حَزْمًا وَعَزْمًا ... وَخَصِيمًا أَلَدَّ ذَا مِغْلاقِ
حَيَّةٌ فِي الْوَجَارِ أَرْبَدُ لا يَنْفَعُ ... مِنْهُ السَّلِيمَ نَفْثُ الرَّاقِي
ثُمَّ قَالَ: أَمَا وَاللَّهِ لَقَدْ كُنْتَ شَدِيدَ الْعَدَاوةِ لِمَنْ عَادَيْتَ، كَرِيمَ الأُخُوَّةِ لِمَنْ آخَيْتَ.
وَوَقَفَ الْحَجَّاجُ عَلَى قَبْرِ ابْنِهِ أَبَانٍ فَتَمَثَّلَ قَوْلَ زِيَادٍ الأَعْجَمِ:
الْآنَ لَمَّا كُنْتَ أَكْمَلَ مَنْ مَشَى ... وَافْتَرَّ نَابُكَ عَنْ شَبَاةِ الْقَارِحِ
وَتَكَامَلَتْ فِيكَ الْمُرُوءَةُ كُلُّهَا ... وَأَعَنْتَ ذَلِكَ بِالْفِعَالِ الصَّالِحِ
وَوَقَفَتْ جَارِيَةٌ لِلْحَجَّاجِ عَلَى قَبْرِهِ، فَقَالَتْ:
الْيَوْمَ يَرْحَمُنَا مَنْ كَانَ يَغْبِطُنَا ... وَالْيَوْمَ نَتَّبِعُ مَنْ كَانُوا لَنَا تَبَعَا
حَدَّثَنِي أَبُو الْحَسَنِ الْمَدَائِنِيُّ، قَالَ: قَالَ الْحَجَّاجُ بْنُ يُوسُفَ: " ثَلاثَةٌ لَوْ أَدْرَكْتُهُمْ لَقَتَلْتُهُمْ: مُقَاتِلُ بْنُ مَسْمَعٍ، فَإِنَّهُ أُعْطِيَ مَالا كَثِيرًا بِفَارِسَ، فَأَجْفَلَ النَّاسُ عَلَيْهِ، فَقَالَ: {لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ} [الصافات: 61] .
تَأَوَّلَ الْفَاسِقُ كِتَابَ اللَّهِ عَلَى غَيْرِ تَأْوِيلِهِ، وُعَبَيْدُ اللَّهِ بْنُ زِيَادِ بْنِ ظَبْيَانَ التَّيْمِيُّ، فَإِنَّهُ صَعِدَ الْمِنْبَرَ فَتَكَلَّمَ بِكَلامٍ أَعْجَبَ قَوْمَهُ، فَقَالُوا: أَكْثَرَ اللَّهُ فَيْنَا مِثْلَكَ.
قَالَ: لَقَدْ سَأَلْتُمْ رَبَّكُمْ شَطَطًا.
وَأَبُو سَمَّالٍ الأَسْدِيِّ، فَإِنَّ نَاقَتَهُ شَرَدَتْ، فَقَالَ: لَئِنْ لَمْ يَرْدُدْهَا رَبُّكُمْ لا أُصَلِّي صَلاةً، فَتَعَلَّقَ خِطَامُهَا بِعَرْفَجَةٍ، فَجَاءَ حَتَّى أَخَذَهَا، فَقَالَ: عَلِمَ رَبُّكُمْ أَنَّهَا مِنِّي صِرِّي