قَالَ: فَخَرَجَ الشَّيْخُ يِتَخَطَّى النَّاسَ وَيُفَرِّقُ، فَأَخَذَ بِيَدِ الْغُلامِ، فَقَالَ: هَذَا عَمُّهُ فَصِيحَ بِهِ فَتَرَكَهُ، ثُمَّ أَتَى آخَرَ، قَالَ: هَذَا عَمُّهُ.
فَصِيحَ بِهِ فَتَرَكَهُ، حَتَّى عَدَّدَ وَلَدَ الْحَسَنِ غَيْرَ أَبِيهِ، وَأَرَاهُ مُتَّكِئًا، فَرَفَعَ رَأْسَهُ، فَقَالَ الشَّيْخُ: اللَّهُ أَكْبَرُ، هَذَا أَبُو الْغُلامُ فَأُلْحِقَ بِهِ
228 - حَدَّثَنِي عَمِّي مُصْعَبُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ جَدِّي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُصْعَبِ، قَالَ: " دَخَلَ ابْنُ السَّمَّاكِ عَلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ هَارُونَ الرَّشِيدِ، حِينَ وَلِيَ الْخِلافَةَ، فِي شَهْرِ رَمَضَانَ وَلَيْسَ عِنْدَهُ أَحَدٌ غَيْرَ يَحْيَى بْنِ خَالِدٍ الْبَرْمَكِيِّ، فَقَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ: يَا ابْنَ السَّمَّاكِ، إِنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ لَمْ يَزَلْ يَذْكُرُكُ وَهُوَ إِذْ ذَاكَ وَلِيُّ عَهْدِ الْمُسْلِمِينَ، فَلَمَّا اسْتُخْلِفَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ، أَحَبَّ أَنْ تَكُونَ مِنْهُ فِي هَذَا الشَّهْرِ قَرِيبًا، لِمَا بَلَغَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ مَنْ صَلاحِكَ فِي نَفْسِكَ، وَحُسْنِ ذِكْرِكَ.
فَقَالَ ابْنُ السَّمَّاكِ: أَمَّا مَا ذَكَرَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ صَلاحِنَا فِي أَنْفُسِنِا، فَذَلِكَ سِتْرُ اللَّهِ، وَاللَّهِ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، لَوْ يَطَّلِعُ النَّاسُ مِنَّا عَلَى ذَنْبٍ وَاحِدٍ، مَا ثَبَتَ لَنَا قَلْبٌ عَلَى مَوَدَّةٍ، وَلا لِسَانٌ عَلَى مَدْحَةِ، وَقَدْ خِفْتُ مِنَ السَّتْرِ الْفِتْنَةَ، وَمِنَ الْمَدْحِ الْغِرَّةَ، فَأَنَا خَائِفٌ أَنْ أَهْلَكَ بَيْنَهُمَا، وَأَنْ أَعْطَبَ مَنْ قِلَّةِ الشُّكْرِ عَلَيْهِمَا، ثُمَّ سَكَتَ ابْنُ السَّمَّاكِ.
فَقَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ: تَكَلَّمْ يَا ابْنَ السَّمَّاكِ.
قَالَ: وَقَدْ هَيَّأْتُ لَهُ كَلامًا كَانَ عِنْدِي مَصُونًا، فَذَهَبَ وَاللَّهِ عَلَيَّ، فَقُلْتُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لَمْ يَرْضَ لِخِلافَتِهِ عَلَى عِبَادِهِ، غَيْرَكَ فَلا تَرْضَ لِلَّهِ إِلا بِطَاعَتِكه، وَبِمَا يُرْضِيهِ عَنْكَ، فَإِنَّكَ ابْنُ عَمِّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، وَأَحَقُ النَّاسِ بِذَلِكَ.
يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، مَنْ عَمِلَ فِي فِكَاكِ رَقَبَتِهِ فِي أَيَّامِ مَهْلِهِ مِنْ قَبْلِ حُضُورِ أَجَلِهِ كَانَ خَلِيقًا أَنْ يُعْتِقَ نَفْسَهُ.
يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، مَنْ أَذَاقَتْهُ الدُّنْيَا حَلاوَتَهَا بِرُكُونٍ مِنْهُ إِلَيْهَا، أَذَاقَتْهُ الْآخِرَةُ مَرَارَتَهَا بِتَجَافِيهِ عَنْهَا، وَمَا اسْتَوَى الطَّعْمَانِ فِي عُذُوبَتِهِمَا، وَمَرَارَتِهِمَا.
يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إِنِّي أُنْشِدُكَ اللَّهَ، أَنْ تُقْدِمَ غدًا عَلَى جَنَّةٍ، عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ، لَيْسَ لَكَ فِيهَا نَصِيبٌ.
إِنَّكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، قَدْ دُعِيتَ إِلَى الْجَنَّةِ، وَنُدِبْتَ إِلَيْهَا فَلا تُقَصِّرَنَّ بِنَفْسِكَ فِي الطَّلَبِ، فَإِنَّ الْحُجَّةَ لَكَ أَلْزَمُ وَهِيَ عَلَيْكَ أَعْظَمُ.