ثُمَّ آثَرَكَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ بِوِلايَةِ الْعِرَاقِ، بِلا بَيْتٍ عَظَيمٍ، وَلا شَرَفٍ قَدِيمٍ، وَلَهَذِهِ الْبُيُوتُ تَغْمُرُكَ وَتَعْلُوكَ، وَتُسْكِتُكَ وَتَتَقَدَّمُكَ فِي الْمَحَالِّ وَالْمَجَامِعِ عِنْدَ ابْتِدَاءِ الأُمُورِ وَأَبْوَابِ الْخُلَفَاءِ، وَلَوْلا مَا أَحَبَّ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ رَدِّ غَرَبِكَ لَعَاجَلَكَ بِالَّتِي كُنْتَ أَهْلَهَا، وِإِنَّهَا لَقَرِيبٌ مِنْكَ مَأْخَذُهَا، سَرِيعٌ مَكْرُوَهُهَا، فَمِنْهَا إِنِ اتَّقَى اللَّهَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ زَوَالُ نِعْمَةِ اللَّهِ عَلَيْكَ، وَحُلُولُ نِقْمَتِهِ بِكَ، فِيمَا صَنَعْتَ، وَارْتَكَبْتَ بِالْعِرَاقِ مِنْ أَهْلِهِ، وَاسْتِعَانَتُكَ بِالْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسِ، تُوَلِّيهِمْ أَمْوَالَ الْمُسْلِمِينَ وَخَرَاجَهُمْ، وَتُسَلِّطَهُمْ عَلَيْهِمْ، نَزَعَ بِكَ إِلَى ذَلِكَ عِرْقُ سُوءٍ مِنَ الَّتِي قَامَتْ عَنْكَ، فَبِئْسَ الْجَنِينُ أَنْتَ عُدَيُّ نَفْسُهُ، وَإِنَّ اللَّهَ لَمَّا رَأَى إِحْسَانَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ إِلَيْكَ وَسُوءَ قِيَامِكَ بِشُكْرِهِ، قَلَبَ قَلْبَهُ لَكَ، فَأَسْخَطَهُ عَلَيْكَ، حَتَّى قَبُحَتْ أُمُورُكَ عِنْدَهُ، وَآيَسَهُ مَعَ شُكْرِكَ مَا ظَهَرَ لَهُ مِنْ كُفْرِكَ النِّعْمَةَ عِنْدَكَ، فَأَصْبَحْتَ تَنْتَظِرُ غَيْرَ النِّعْمَةِ، وَزَوَالَ الْكَرَامَةِ، وَحُلُولَ الْخِزْيِ، فَتَأَهَّبْ لِنَوازِلِ عُقُوبَةِ اللَّهِ بِكَ، فَإِنَّ اللَّهَ عَلَيْكَ أَوْجَدُ، وَلِمَا عَمِلْتَ أَكْرَهُ، فَقَدْ أَصْبَحْتَ وَذُنُوبُكَ أَعْظَمَ مِنْ أَنْ يُبَكِّتَكَ بِهَا أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ ذَنْبًا ذَنْبًا، وَمَنْ يُرْفَعْ عَلَيْكَ عِنْدَهُ يُبَكِّتْكَ مِنْهَا بِمَا نَسِيتَهُ، وَأَحْصَاهُ اللَّهُ عَلَيْكَ، وَلَقَدْ كَانَ لِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ زَاجِرٌ عَنْكَ بِمَا عَرَفَكَ مِنِ التَّسَرُّعِ إِلَى حَمَاقَاتِكَ، فِي غَيْرِ وَاحِدَةٍ، مِنْهَا الْقُرَشِيُّ الَّذِي تَنَاوَلْتَهُ بِالْحِجَازِ ظَالِمًا، فَضَرَبَكَ اللَّهُ بَالسَّوْطِ الَّذِي ضَرْبتَهُ بِهِ، مُفْتَضَحًا عَلَى رُءُوسِ رَعِيَّتِكَ، وَلَعَلَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يَعُودَ عَلَيْكَ بِمِثْلِهَا، فَإِنْ فَعَلَ فَأَنْتَ أَهْلُهَا، وَإِنْ صَفَحَ فَأَهْلُهُ هُوَ، وَاللَّهِ لَوْ لَمْ يَسْتَدِلَّ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى ضَعْفِ نَحَائِزِكَ، وَسُوءِ تَدْبِيرِكَ إِلا فَسَالَةَ دُخَلائِكَ، وَبِطَانَتِكَ وَعُمَّالِكَ، وَالْغَالِبَةِ عَلَيْكَ جَارِيَتِكَ الرَّائِقَةِ، بَائِعَةِ الْعُهُودِ، وَمُشْغِلَةِ الرِّجَالِ، مَعَ مَا أَتْلَفْتَ مِنْ مَالِ اللَّهِ بِالْمُبَارَكِ اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفَ أَلْفِ دِرْهَمٍ، وَاللَّهِ أَنْ لَوْ كُنْتَ مِنْ وَلَدِ عَبْدِ الْمَلِكِ لَمَا احْتَمَلَ لَكَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ مَا أَفْسَدْتَ مِنْ أَمْوَالِ اللَّهِ، وَضَيَّعْتَ مِنْ أُمُورِ الْمُسْلِمِينَ، وَسَلَّطْتَ مِنْ وُلاةِ السُّوءِ عَلَى جَمِيعِ كُوَرَ الْإِسْلامِ، تَحْمَلُ إِلَيْكَ هَدَايَا النَّيْرُوزِ وِالْمِهْرَجَانِ، خَالِسًا لِأَكْثَرِهَا، رَافِعًا لِأَقَلِّهَا مَعَ كَثْرَةِ مَسَاوِيكَ الْمَتْرُوكِ تَقْرِيرُكَ بِهَا، وَمُنَاصَبَتِكَ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فِي مُوَالاةِ حَسَّانٍ وَوَكِيلِهِ فِي ضِيَاعِهِ، وَأَحْوَازِهِ فِي الْعِرَاقِ، وَسَيَكُونُ لَكَ وَلِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ نَبَأٌ إِنْ لَمْ يَعْفُ عَنْكَ، وَلَكِنَّهُ يَظُنُ اللَّهَ طَالِبَكَ بِأُمُورٍ، غَيْرَ تَارِكٍ لِتَكْشِيفِكَ عَنْهَا، وَحَمْلِكَ الأَمْوَالَ نَاقِصَةً عَنْ وَظَائِفِهَا الَّتِي جَبَاهَا عُمَرُ بْنُ هُبَيْرَةَ، وَتَرْكِ رَفْعِ مُحَاسَبَتِكَ سنَةَ كَذَا وَكَذَا لِمَا وُلِّيتَ مِنْ خَرَاجِ الْعِرَاقِ، وَتَوْجِيهِكَ أَخَاكَ أَسَدًا إِلَى