لَيْتَ هِنْدًا أَنْجَزَتْنَا مَا تَعِدْ ... وَشَفَتْ أَنْفُسَنَا مِمَّا تَجِدْ

وَاسْتَبَدَّتْ مَرَّةً وَاحِدَةً ... إِنَّمَا الْعَاجِزُ مِنْ لا يَسْتَبِدْ

قَالَ جَدِّي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُصْعَبٍ: " فَالْتَقَيْتُ أَنَا وَيَحْيَى بْنُ خَالِدٍ بَعْدَ هَذَا الْمَجْلِسِ، فَقَالَ لِي: يَا أَبَا بَكْرٍ، هَلْ وَجَدْتَ عِنْدَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ لِي أَثَرًا تَكْرَهُهُ؟ قُلْتُ: لا، قَالَ: فَخَلَوْتُ مَعَهُ الدَّهْرَ لَمْ أَغِبْ لَكَ بِسُوءٍ، وَخَلَوْتَ سَاعَةً فَقَرَضْتَنِي، قُلْتُ: قَدْ بَلَغَكَ الْحَدِيثُ، كُنْتُ مَعَ رَجُلٍ فَكَرِهْتُ أَنْ أَخْذُلَهُ، وَاسْتَطْمَعَنِي أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ شِكَايَتَكَ، فَشَكَوْتُكَ بِأَهْوَنِ الأَشْيَاءِ عَلَيْكَ.

فَقُلْتُ: حَبْسُ أَرْزَاقِنَا وَشُغْلُ وَجْهِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَنَّا، وَلَوْ أَرَدْتُ قَرَضَكَ لَوَجَدْتَ لِي أَثَرًا ".

حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمِ التَّمِيمِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي إِدْرِيسُ بْنُ أَبِي حَفْصَةَ، قَالَ: " اسْتَعَمْلَ زِيَادُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَارِثِيُّ ابْنَ أَبِي عَاصِيَةَ عَلَى يَنْبُعَ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ يَوْمًا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَسَنِ فَجَرَى بَيْنَهُمَا كَلامٌ، فَأَغْلَظَ لابْنِ أَبِي عَاصِيَةَ، فَقَالَ لَهُ ابْنُ أَبِي عَاصِيَةَ: إِنِّي قَدْ أَقْلَتُكَ، فَإِنْ عُدْتَ ضَرَبْتُكَ وَاللَّهِ مِائَةَ سَوْطٍ.

فَبَلَغَ ذَلِكَ الْمَنْصُورَ، فَكَتَبَ إِلَى زِيَادٍ أَنْ يَشُدَّ ابْنَ أَبِي عَاصِيَةَ فِي الْحَدِيدِ، وَيَرْفَعَهُ إِلَيْهِ.

فَفَعَلَ، فَلَمَّا دَخَلَ ابْنُ أَبِي عَاصِيَةَ عَلَى الْمَنْصُورِ، قَالَ لَهُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ مَا قُلْتُ إِلا لِمَا عُلِمَ مِنْ رَأْيِهِ، وَأَنَا الْقَائِلُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ:

لَيَحْبِسُكُمْ أَنْ تَمْنَعُوا بِنُبَاحِكُمْ ... ثَمَرَاتِ يَنْبُعَ شَرَّ دَارٍ يَنْبُعُ

هَلا أُمَيَّةَ وَهْيَ ظَالِمَةٌ لَكُمْ ... وَلَهَا عَلَيْكَ رِحَالَةٌ لا تُنْزَعُ

رَكِبُوكِ مُرْتَحَلا فَظَهْرُكِ مِنْهُمْ ... دَانِي الْحَرَاقِفِ وَالْفِقَارِ مُوَقِّعُ

كَالْكَلْبِ يَأْلَفُ خَانِقِيهِ وَيَنْتَحِي ... نَحْو الَّذِينَ بِهِمْ يُعَزُّ وَيُمْنَعُ

فَأَمَرَ لَهُ بِمَالٍ، وَخَلَّى سَبِيلَهُ

حَدَّثَنِي عَمِّي، قَالَ: حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ هِشَامٍ، قَالَ: سَمِعْتُ الْمَأْمُونَ، يَقُولُ: " لَيْسَ عَلَيَّ فِي الْحُكْمِ مَئُونَةٌ، وَلَوَدِدْتُ أَنَّ أَهْلَ الْجَرَائِمِ عَلِمُوا رَأْيِي فِي الْعَفْوِ، فَيَذْهَبَ عَنْهُمُ الْخَوْفُ، وَتُسْلِمَ قُلُوبُهُمْ لِي وَقَالَ الْمَأْمُونُ: " الْمُلُوكُ تَحْتَمِلُ كُلَّ شَيْءٍ إِلا ثَلاثَةَ أَشْيَاءَ: الْقَدْحُ فِي الْمُلْكِ، وَإِفْشَاءُ السِّرِّ، وَالتَّعَرُّضَ لِلْحُرُمِ اسْتَقْبَلَ الطَّالِبِيُّونَ الْمَأْمُونَ فِي مُنْصَرَفِهِ مِنْ خُرَاسَانَ إِلَى الْعِرَاقِ فِي بَعْضِ الطَّرِيقِ، فَاعْتَذَرُوا مِمَا كَانَ مِنْهُمْ مِنَ الْخُرُوجِ.

فَقَالَ الْمَأْمُونُ لِمُتَكَلِّمِهِمْ: كُفَّ وَاسْمَعْ مِنِّي.

أَوَّلُنَا وَأَوَّلُكُمْ مَا تَعْلَمُونَ، وَآخِرُنَا وَآخِرُكُمْ مَا تُرِيدُونَ، وَتَنَاسَوْا مَا بَيْنَ هَذَيْنِ.

قَالَ: وَرَكِبَ الْمَأْمُونُ يَوْمًا فَصَاحَ إِلَيْهِ الأَنْصَارُ، فَقَالَ: " أَيْنَ كُنْتُمْ يَوْمَ سَقِيفَةِ بَنِي سَاعِدَةَ، وَالْعَبَّاسُ وَعَلِيٌّ يُرِيدَانِ نُصْرَتَكُمْ، فَلا تُرِيدُوا مِنَّا ثَوَابًا قَالَ: " وَذَكَرَ الْمَأْمُونُ يَوْمَ اخْتِلافِ النَّاسِ، فَقَالَ لِثُمَامَةَ: قَدْ كَثُرَ اخْتِلافُ النَّاسِ فِي الِاسْتِطَاعَةِ، وذِكْرِ الأَفْعَالِ، فَاجْمَعْ لِي فِي هَذَا كَلامًا تَخْتَصِرهُ لِيُفْهَمَ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015