وَأَيْضًا فَإِنَّهُ أَمَرَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالِاتِّبَاعِ بِقَوْلِهِ {فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ} وَالْأَمْرُ بِذَلِكَ غَيْرُ خَاصٍّ بِبَعْضِ الْقُرْآنِ دُونَ الْبَعْضِ إِجْمَاعًا، وَلِأَنَّهُ لَا أَوْلَوِيَّةَ لِلْبَعْضِ دُونَ الْبَعْضِ؛ وَلِأَنَّهُ لَوْ حُمِلَ ذَلِكَ عَلَى الْبَعْضِ دُونَ الْبَعْضِ مَعَ كَوْنِهِ غَيْرَ مُعَيَّنٍ فِي اللَّفْظِ، كَانَ مُجْمَلًا وَتَكْلِيفًا لَهُ بِمَا لَيْسَ بِمَعْلُومٍ لَهُ، وَهُوَ خِلَافُ الْأَصْلِ.
وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ قَوْلِهِ مِنْ أَوَّلِ الْآيَةِ إِنَّمَا هُوَ جَمِيعُ الْقُرْآنِ فَالظَّاهِرُ أَنْ يَكُونَ الضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى {ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ} عَائِدًا إِلَى جَمِيعِ الْمَذْكُورِ السَّابِقِ، وَهُوَ جُمْلَةُ الْقُرْآنِ لَا إِلَى بَعْضِهِ، لِعَدَمِ الْأَوْلَوِيَّةِ.
وَإِنَّمَا يُمْكِنُ ذَلِكَ بِحَمْلِ الْبَيَانِ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ لَا عَلَى مَا ذَكَرُوهُ لِاسْتِحَالَةِ افْتِقَارِ كُلِّ الْقُرْآنِ إِلَى الْبَيَانِ بِالْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرُوهُ، فَإِنَّهُ لَيْسَ كُلُّ الْقُرْآنِ مُجْمَلًا وَلَا ظَاهِرًا فِي مَعْنًى، وَقَدِ اسْتُعْمِلَ فِي غَيْرِهِ، فَكَانَ مَا ذَكَرْنَاهُ أَوْلَى.
وَهَذَا إِشْكَالٌ مُشْكِلٌ، وَفِي تَحْرِيرِهِ وَتَقْرِيرِهِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ يَتَبَيَّنُ لِلنَّاظِرِ الْمُتَبَحِّرِ فِيهِ إِبْطَالُ كُلِّ مَا يَخْبِطُ بِهِ بَعْضُ الْمُخْبِطِينَ. (?) وَإِنْ سَلَّمْنَا أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ إِنَّمَا هُوَ بَيَانُ الْمُرَادِ مِنَ الظَّاهِرِ الَّذِي اسْتُعْمِلَ فِي غَيْرِ مَا هُوَ الظَّاهِرُ مِنْهُ، لَكِنْ مَا الْمَانِعُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِهِ الْبَيَانَ التَّفْصِيلِيَّ، كَمَا قَالَهُ أَبُو الْحُسَيْنِ الْبَصْرِيُّ؟