(?) وَإِذَا عُرِفَ تَفْصِيلُ الْمَذَاهِبِ فَقَدِ احْتَجَّ أَصْحَابُنَا الْقَائِلُونَ بِجَوَازِ التَّأْخِيرِ مُطْلَقًا بِحُجَجٍ نَقْلِيَّةٍ، وَعَقْلِيَّةٍ.

أَمَّا النَّقْلِيَّةُ، فَالْحُجَّةُ الْأُولَى مِنْهَا قَوْلُهُ تَعَالَى {إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ} . {فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ} . {ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ} وَوَجْهُ الِاحْتِجَاجِ بِهِ أَنَّهُ قَالَ {فَإِذَا قَرَأْنَاهُ} مَعْنَاهُ أَنْزَلْنَاهُ، وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى {فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ} أَمَرَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالِاتِّبَاعِ بِفَاءِ التَّعْقِيبِ، لِقَوْلِهِ {فَإِذَا قَرَأْنَاهُ} وَلَا يُتَصَوَّرُ ذَلِكَ قَبْلَ الْإِنْزَالِ لِعَدَمِ مَعْرِفَتِهِ بِهِ، وَإِنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ الْإِنْزَالِ.

وَإِذَا كَانَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ {قَرَأْنَاهُ} الْإِنْزَالَ، فَقَوْلِهِ {ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ} يَدُلُّ عَلَى تَأْخِيرِ الْبَيَانِ عَنْ وَقْتِ الْإِنْزَالِ، لِأَنَّ (ثُمَّ) لِلْمُهْلَةِ وَالتَّرَاخِي عَلَى مَا سَبَقَ تَقْرِيرُهُ. (?) وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِذَا قَرَأْنَاهُ} الْإِنْزَالَ، وَلَكِنْ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ قَوْلِهِ {ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ} بَيَانُ مُجْمَلِهِ وَخُصُوصِهِ وَتَقْيِيدِهِ وَمَنْسُوخِهِ، بَلِ الْمُرَادُ مِنْهُ إِظْهَارُهُ وَإِشْهَارُهُ، وَهُوَ عَلَى وَفْقِ الظَّاهِرِ؛ لِأَنَّ الْبَيَانَ هُوَ الْإِظْهَارُ فِي اللُّغَةِ، وَمِنْهُ يُقَالُ " بَانَ لَنَا الْكَوْكَبُ الْفُلَانِيُّ، وَبَانَ لَنَا سُورُ الْمَدِينَةِ " إِذَا ظَهَرَ، وَيُقَالُ " بَيَّنَ فُلَانٌ الْأَمْرَ الْفُلَانِيَّ " إِذَا أَظْهَرَهُ وَعِنْدَ ذَلِكَ، فَلَيْسَ حَمْلُهُ عَلَى مَا ذُكِرَ مِنْ بَيَانِ الْمُرَادِ مِنَ الْمُجْمَلِ وَالْعَامِّ وَالْمُطْلَقِ أَوْلَى مِمَّا ذَكَرْنَاهُ. (?) كَيْفَ وَإِنَّ التَّرْجِيحَ لِهَذَا الْمَعْنَى مِنْ جِهَةِ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى {إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ} إِنَّمَا هُوَ جَمِيعُ الْقُرْآنِ فَإِنَّهُ لَيْسَ اخْتِصَاصُ بَعْضِهِ بِذَلِكَ أَوْلَى مِنْ بَعْضٍ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015