الْقُرْآنُ، وَالْحُكْمُ بِغَيْرِ الْقُرْآنِ لَا يَكُونُ إِلَّا بِاجْتِهَادٍ. (?) وَأَيْضًا مَا رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ فِي مَكَّةَ: «لَا يُخْتَلَى خَلَاهَا وَلَا يُعْضَدُ شَجَرُهَا. فَقَالَ الْعَبَّاسُ: إِلَّا الْإِذْخِرَ، فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: " إِلَّا الْإِذْخِرَ» ". (?) وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْوَحْيَ لَمْ يَنْزِلْ عَلَيْهِ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ فَكَانَ الِاسْتِثْنَاءُ بِالِاجْتِهَادِ.
وَأَيْضًا مَا رُوِيَ عَنْهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنَّهُ قَالَ: " «الْعُلَمَاءُ وَرَثَةُ الْأَنْبِيَاءِ» " (?) وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ مُتَعَبَّدًا بِالِاجْتِهَادِ، وَإِلَّا لَمَا كَانَتْ عُلَمَاءُ أُمَّتِهِ وَارِثَةً لِذَلِكَ عَنْهُ، وَهُوَ خِلَافُ الْخَبَرِ.
وَأَمَّا الْمَعْقُولُ فَمِنْ وَجْهَيْنِ:
الْأَوَّلُ: أَنَّ الْعَمَلَ بِالِاجْتِهَادِ أَشَقُّ مِنَ الْعَمَلِ بِدَلَالَةِ النَّصِّ لِظُهُورِهِ؛ وَزِيَادَةٌ الْمَشَقَّةِ سَبَبٌ لِزِيَادَةِ الثَّوَابِ، لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ لِعَائِشَةَ: " «ثَوَابُكِ عَلَى قَدْرِ نَصَبِكِ» " (?) ، وَقَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ: " «أَفْضَلُ الْعِبَادَاتِ أَحْمَدُهَا» " (?) ، أَيْ أَشَقُّهَا، فَلَوْ لَمْ يَكُنِ النَّبِيُّ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَامِلًا بِالِاجْتِهَادِ مَعَ عَمَلِ أُمَّتِهِ بِهِ لَزِمَ اخْتِصَاصُهُمْ بِفَضِيلَةٍ لَمْ تُوجَدْ لَهُ، وَهُوَ مُمْتَنِعٌ، فَإِنَّ آحَادَ أُمَّةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَكُونُ أَفْضَلَ مِنَ النَّبِيِّ فِي شَيْءٍ أَصْلًا.