الثَّانِي: أَنَّ الْقِيَاسَ هُوَ النَّظَرُ فِي مُلَاحَظَةِ الْمَعْنَى الْمُسْتَنْبَطِ مِنَ الْحُكْمِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ، وَإِلْحَاقِ نَظِيرِ الْمَنْصُوصِ بِهِ بِوَاسِطَةِ الْمَعْنَى الْمُسْتَنْبَطِ، وَالنَّبِيُّ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَوْلَى بِمَعْرِفَةِ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِهِ لِسَلَامَةِ نَظَرِهِ وَبُعْدِهِ عَنِ الْخَطَإِ وَالْإِقْرَارِ عَلَيْهِ.
وَإِذَا عَرَفَ ذَلِكَ فَقَدْ تَرَجَّحَ فِي نَظَرِهِ إِثْبَاتُ الْحُكْمِ فِي الْفَرْعِ ضَرُورَةً، فَلَوْ لَمْ يَقْضِ بِهِ لَكَانَ تَارِكًا لِمَا ظَنَّهُ حُكْمًا لِلَّهِ تَعَالَى عَلَى بَصِيرَةٍ مِنْهُ وَهُوَ حَرَامٌ بِالْإِجْمَاعِ.
فَإِنْ قِيلَ: مَا ذَكَرْتُمُوهُ فِي بَيَانِ الْجَوَازِ الْعَقْلِيِّ فَالِاعْتِرَاضُ عَلَيْهِ يَأْتِي فِيمَا نَذْكُرُهُ مِنَ الْمَعْقُولِ.
وَأَمَّا الْآيَةُ الْأُولَى: فَقَدْ سَبَقَ الِاعْتِرَاضُ عَلَيْهَا (?) فِيمَا تَقَدَّمَ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ} أَيْ بِمَا أَنْزَلَ إِلَيْكَ.
وَأَمَّا الْآيَةُ الثَّالِثَةُ: فَالْمُرَادُ مِنْهَا الْمُشَاوَرَةُ فِي أُمُورِ الْحُرُوبِ وَالدُّنْيَا. (?) وَكَذَلِكَ الْعِتَابُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ} .
وَأَمَّا عِتَابُهُ فِي أُسَارَى بَدْرٍ فَلَعَلَّهُ كَانَ مُخَيَّرًا بِالْوَحْيِ بَيْنَ قَتْلِ الْكُلِّ أَوْ إِطْلَاقِ الْكُلِّ أَوْ فِدَاءِ الْكُلِّ، فَأَشَارَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ بِإِطْلَاقِ الْبَعْضِ دُونَ الْبَعْضِ، فَنَزَلَ الْعِتَابُ لِلَّذِينَ عَيَّنُوا لَا لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، غَيْرَ أَنَّهُ وَرَدَ بِصِيغَةِ الْجَمْعِ فِي قَوْلِهِ: " {تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا} " وَالْمُرَادُ بِهِ أُولَئِكَ خَاصَّةً.
وَأَمَّا الْخَبَرُ الْأَوَّلُ: فَهُوَ مُرْسَلٌ وَلَا حُجَّةَ فِي الْمَرَاسِيلِ كَمَا سَبَقَ، وَإِنْ كَانَ حُجَّةً غَيْرَ أَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ كَانَ يَقْضِي بِالْوَحْيِ، وَالْوَحْيُ الثَّانِي يَكُونُ نَاسِخًا لِلْأَوَّلِ.
أَمَّا الْخَبَرُ الثَّانِي: فَيُحْتَمَلُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ مُرِيدًا لِاسْتِثْنَاءِ " الْإِذْخِرِ " فَسَبَقَهُ بِهِ الْعَبَّاسُ.
وَأَمَّا الْخَبَرُ الثَّالِثُ: فَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْعُلَمَاءَ وَرَثَةُ الْأَنْبِيَاءِ فِيمَا كَانَ لِلْأَنْبِيَاءِ، وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ الِاجْتِهَادَ كَانَ لِلْأَنْبِيَاءِ حَتَّى يَكُونَ مَوْرُوثًا عَنْهُمْ.