وَمَا أَرَاهُ يَعُمُّ الْحُكْمَ بِالنَّصِّ وَالِاسْتِنْبَاطِ مِنَ النُّصُوصِ. (?) وَأَيْضًا قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ} .
وَالْمُشَاوَرَةُ إِنَّمَا تَكُونُ فِيمَا يُحْكَمُ فِيهِ بِطَرِيقِ الِاجْتِهَادِ لَا فِيمَا يُحْكَمُ فِيهِ بِطَرِيقِ الْوَحْيِ.
وَأَيْضًا قَوْلُهُ تَعَالَى بِطَرِيقِ الْعِتَابِ لِلنَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي أُسَارَى بَدْرٍ وَقَدْ أَطْلَقَهُمْ: {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ} فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: " «لَوْ نَزَلَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ عَذَابٌ لَمَا نَجَا مِنْهُ إِلَّا عُمَرُ» " (?) لِأَنَّهُ كَانَ قَدْ أَشَارَ بِقَتْلِهِمْ، وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ كَانَ بِالِاجْتِهَادِ لَا بِالْوَحْيِ.
وَأَيْضًا قَوْلُهُ تَعَالَى: {عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ} عَاتَبَهُ عَلَى ذَلِكَ وَنَسَبَهُ إِلَى الْخَطَأِ، وَذَلِكَ لَا يَكُونُ فِيمَا حَكَمَ فِيهِ بِالْوَحْيِ، فَلَمْ يَبْقَ سِوَى الِاجْتِهَادِ وَلَيْسَ ذَلِكَ خَاصًّا بِالنَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ، بَلْ كَانَ غَيْرُهُ أَيْضًا مِنَ الْأَنْبِيَاءِ مُتَعَبَّدًا بِذَلِكَ.
وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَدَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ} الْآيَةَ، وَقَوْلُهُ: {فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا} ، وَمَا يُذْكَرُ بِالتَّفْهِيمِ إِنَّمَا يَكُونُ بِالِاجْتِهَادِ لَا بِطْرِيقِ الْوَحْيِ. (?) وَأَمَّا السُّنَّةُ فَمَا رَوَى الشَّعْبِيُّ أَنَّهُ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْضِي الْقَضِيَّةَ وَيَنْزِلُ الْقُرْآنُ بَعْدَ ذَلِكَ بِغَيْرِ مَا كَانَ قَضَى بِهِ، فَيَتْرُكُ مَا قَضَى بِهِ عَلَى حَالِهِ، وَيَسْتَقْبِلُ مَا نَزَلَ بِهِ