أن ينسب كل كلام إلى قائله، ويعزى كل لفظ إلى الناطق به، وأما ما كان في الحديث من الاختلاف معنى أو زيادة أو نقصان، فإنه يحتاج إلى تبيين ذلك وتمييزه، وتهذيبه وتحصيله، حتى يعرف صاحب الحكم الزائد والمعنى المختلف وإنما ترجم رحمه الله على الحديث الواحد بما ترجم عليه من الكتب، لتعرف شهرة الحديث وإخراج الناس له، وعمدت أنا إلى الحديث وأخرجته من كتاب واحد، ولفظ واحد، وكذلك ذكرت الزيادة من كتاب واحد، وبلفظ واحد ليعرف صاحب اللفظ ويتبين صاحب النص، وتقع نسبة الحديث إليه صحيحة.
وإن الحديث إذا جاء من طريق واحد صحيح، ولم يجئ ما يعارضه فإنه يوجب العمل، وتلزم به الحجة، كما يوجب العمل وتلزم به الحجة إذا جاء من طرق كثيرة، وإن كانت النفس إلى الكثرة أميل، وبها أطيب إذا كانت الكثرة إنما اجتمعت ممن يوثق بحديثه، ويعتمد على روايته، وإن ذكر الحديث في مواضع كثيرة، ومجيئه في دواوين عديدة، شهرته عند الناس لا يخرجه عن منزلته، ولا يرفعه عن درجته في الحقيقة، وإنه إذا رجع إلى طريق واحد حكم له بحكم الواحد، فإن كان صحيحًا حكم له بحكم الصحيح، وإن كان سقيمًا حكم له بحكم السقيم؛ لأن الفرع لا يطيب إلآ بطيب الأصل، وكما أن التواتر إذا رجع إلى آحاد حكم له بحكم الآحاد، إلا أن يكون الإجماع على عمل يوافق حديثًا معتلًا، فإن الإجماع حكم آخر وهو الأصل الثالث الذي يرجع إليه، وليس ينظر حينئذ إلى علة الحديث، ولا لضعف الراوي ولا لتركه.
ولم يشتهر بالصحة من الكتب التي أخرج أبو القاسم رحمه الله حديثها، إلا كتاب الإمامين، أبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري، وأبي الحسين مسلم بن الحجاج رحمة الله عليهما، وسائرها لم يعرف بالصحة، ولا اشتهر بها، وإن كان فيها من الصحيح ما لم يجئ في الكتابين، كما أن فيها من السقيم ما يحتاج إلى الكلام فيه، والتنبيه عليه والتمييز له، وإلا كان قارئه