وموسى، عليه السلام، اضطهد في أرض فرعون وانتصر بعد ذلك في مكان آخر، وقد يضطهد الداعية في زمان، ثم ينتصر في زمان آخر. كما حدث لشيخ الإسلام ابن تيمية، فمات في سجنه -رحمه الله- ولكن انتصرت دعوته أعظم الانتصار بعد عدة قرون من وفاته ولا تزال.
وهذا أمر معلوم ومشاهد، فكم من داعية هزم في مكان وانتصر في مكان آخر، وأوذي في زمان وانتصر في زمان آخر، سواء في حياته أو بعد وفاته.
8 - أخيرا، فإن النصر قد يكون بالمنع، أي بحماية الداعية ومنع أعدائه من الوصول إليه، وَقَدْ قَالَ بَعْضُهُمْ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ: {وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ} [البقرة:48] وَلَيْسَ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ يَوْمَئِذٍ نَصِيرٌ يَنْتَصِرُ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ إِذَا عَاقَبَهُمْ. (?)
{وَلاَهُمْ يُنْصَرُونَ} يَقُولُ: وَلَا لَهُمْ نَاصِرٌ يَنْصُرُهُمْ، فَيَسْتَنْقِذُهُمْ حِينَئِذٍ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ , لَمَا أَقَامُوا عَلَى مَا هُمْ عَلَيْهِ مُقِيمُونَ مِنَ الْكُفْرِ بِاللَّهِ، وَلَسَارَعُوا إِلَى التَّوْبَةِ مِنْهُ وَالْإِيمَانِ بِاللَّهِ، وَلَمَا اسْتَعْجَلُوا لِأَنْفُسِهِمُ الْبَلَاءَ (?)
وقال- جل وعلا-: (فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئينَ) [سورة الحجر، الآية:94،95].
قال الإمام الطبري في معنى هذه الآية: يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم -:إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ يَا مُحَمَّدُ، الَّذِينَ يَسْتَهْزِئُونَ بِكَ وَيَسْخَرُونَ مِنْكَ، فَاصْدَعْ بِأَمْرِ اللَّهِ، وَلَا تَخَفْ شَيْئًا سِوَى اللَّهِ، فَإِنَّ اللَّهَ كَافِيَكَ مَنْ نَاصَبَكَ وَآذَاكَ كَمَا كَفَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ، وَكَانَ رُؤَسَاءُ الْمُسْتَهْزِئِينَ قَوْمًا مِنْ قُرَيْشٍ مَعْرُوفِينَ. ذِكْرُ أَسْمَائِهِمْ: (?)
وقال -سبحانه-: (وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ) [سورة المائدة، الآية:67].
--------------
هذه بعض أوجه النصر، بل أهم أنواع النصر، ولو تأملنا في هذه الأوجه ثم نظرنا إلى سيرة الأنبياء والرسل، عليهم وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام، لوجدنا أن كل واحد منهم قد