يتذرع بها جهاز أمن الدولة لرميه خلف القضبان، وذلك بعد فاصل من الصعق والجلد وربما السلخ! ووالله إنها لآهات وزفرات كتمتها صدورهم، وتالله ما لاقى أحد في هذه البلاد ما لاقوه، حتى صار كل بلاء بعده يسير!

وكان الإعلام -بمختلف صوره، لاسيما في حقبة التسعينات- يمهد ويسعى في إضفاء شيء من الغطاء الشرعي على هذا القمع منقطع النظير، فكان السيناريست الموهوب يؤلف الرواية، والفنان يبدع في عرضها على شاشات السينما، وضابط أمن الدولة يجرجر إلى غيابة الجب.

كنا نراهم يغضون الطرف عن كل فساد في البلاد، ويتقصدون هؤلاء الشباب ويقعدون لهم كل مرصد، فكل مجرم بريء وإن امتص دماء الشعب جهارا وبكل تبجح، بينما من دعا إلى الله -وافقناه في طرحه أو خالفناه - فهو أخطر خلق الله على أمن البلاد.

----------

وإنا لنحمد الله أن ثبتنا، فلقد كدنا نركن إليهم شيئا قليلا، ولكنّ الله -وله الحكمة البالغة- قدّر عليهم لونا جديدا من البلاء، إذ صاروا فاكهة مجالس الغيبة والنميمة والبهتان على برامج الحوار وعلى المواقع الإليكترونية -وكأنه عقاب لهم أن تنسموا عبير الحرية كمنا تنسمه غيرهم-،بحيث لو خلا المجلس من افتراء عليهم لظننت أن أمرا غريبا قد طرأ، ولكن الذي لعله يخفى على البعض، أن أشد صور هذا البلاء إيذاء وجرحا لهم: هو ظلم ذوي القربى.

كم كان الواحد منهم يحزن إذا ما اعتقله ظَلَمَة أمن الدولة بدون وجه حق، ثم يبلغه أن جيرانه وخلّانه يتناولون أخبارا مفادها أن فلانا كان يخطط لعمل إرهابي أو شيء من هذا القبيل، مرددين ما يبثه ضابط الأمن وكأنه الصادق المصدوق. وكذلك، فإن ما يُقطّع نياط قلوبهم اليوم، أن يروا إخوانهم وأصدقاءهم ممن لا ينتمون لتيار بعينه يرددون كلام الإعلام الجائر، دون تمحيص ولا تثبت ولا حتى عرض على منطق العقل، فهذه والله إحدى الكبر ..

----------

طور بواسطة نورين ميديا © 2015